مهارة الحكم الصائب على الأمور تساعد من يملكها. مهارة إدراك عمرها الافتراضى ..

Admin عدد المساهمات : 5700 تاريخ التسجيل : 05/03/2013

فى منتصف التسعينيات انشغل مشجعو الكرة بصفقة انتقال نجم الزمالك رضا عبد العال إلى الأهلى.

كان لاعبا ممتازا، وعنده ستايل. لخصه كابتن حمادة إمام بجملة «ورضا بيغير اتجاهاته». فعلا.

رضا كان لديه قدرة رهيبة على الدوران حول نفسه سريعا، تغيير زاوية بصره، ومفاجأتنا جميعا

بنقل الكرة إلى مكان لم نكن نتوقعه. كان عنده رؤية «بانورامية» للملعب.

تميزه بهذا يعنى أن معظم اللاعبين لا يملكون هذه الرؤية «البانورامية» الشاملة للملعب.

ولو انتقلنا من ملعب الكرة إلى ملعب الحياة فستظل نفس الجملة صحيحة. الأغلبية الكاسحة من الناس لا يملكون هذه الرؤية

البانورامية للحياة، لا يستطيعون «تغيير اتجاهاتهم».

ليه، بوركوا، واى؟!

لأن معظمنا مشغول بتحقيق دوام الحال. وهذا من أكبر عوامل الشقاء البشرى.

ستقولين لى ولكننا نقول إن «دوام الحال من المحال». أى أننا نعرف أن دوام الحال مستحيل.

أقول لك فرق كبير بين القول والفعل. انظرى إلى تصرفاتنا. كل شىء يقول إننا نريد أن يدوم الحال.

إن أحببنا اعتقدنا أن الحب يدوم. إن نِلْنا وظيفة جيدة أردنا أن تدوم.

إن اعتقدنا فى شىء أردنا أن لا يتزعزع هذا الاعتقاد.

وهل هذا شىء سيئ؟

ليس هذا هو السؤال.

فالواقع أن دوام الحب استثناء.

ودوام الوظيفة نقص طموح. ودوام الفكرة على حالها خلل فى التفكير.

دوام أى شىء، حتى السعادة، يفقدها معناها. الحياة كلها قائمة على التنوع والتجدد، وعلى «انتفاء الديمومة»،

وليست مشاعرنا، مهما كانت جميلة، استثناء من هذا.

أن تتمنى الديمومة فأنت تتمنيين وهمًا. يشبه تماما أن تتمنى الخلود.

تخيلى أن تبذل إنسانة كل لحظة فى حياتها منشغلة بهدف واحد وحيد، أن لا تموت؟ ستفقد البهجة.

لو اعتقدت بديمومة الطعام الذى لديك ستفقدين بهجته. ولو أكلتِه كل يوم ستفقدين بالتدريج ولعك الأول به،

بل وقد تكرهينه. أما لو قيل لك هذه حصتك من الطعام طوال حياتك، فلن تتمتعى به أبدا. ستنشغلين بالادخار منه.

ستنشغلين بوسائل حفظه حتى لا يفسد. ستنشغلين بكل شىء يضمن عدم انقطاعه.

شىء واحد فقط لن يشغلك: الاستمتاع بالطعام.

والفناء موجود فى الحياة، لأنه أفضل. لو كانت السعادة متوفرة وسهلة لما تجملت الدنيا.

السعى إلى المزيد دافع قوى للتنافس، وللتحسين. ستدركين هذا لو نظرت إلى طريقة إدارة الشركات.

ستدركين أشياء كثيرة فى الدنيا لو حاولت أن تريها بعقلية «أصحاب الأعمال»،

بعقلية السعى إلى الفرصة. بعقلية الطموح إلى الجديد. بدلا من عقلية المساكين والمستضعفين

التى تربينا عليها. عقلية الرضا بالموجود لحسن مانلاقيهوش.

قد يفهم من كلامى هذا أننى أدعو الناس إلى تعمد إفناء الأشياء والعلاقات. وليس هذا قصدى.

إنما أقصد أن تستمتعى بها طالما كانن قائمة، ومبهجة (وأسباب البهجة تختلف). وليس أكثر من هذا.

اسعى إلى استمرار السعادة، هدف السعادة، أينما يكون.

إزاى؟ هنا أعود إلى الكابتن رضا عبد العال.

المهارة الأولى عند رضا عبد العال لم تكن تغيير الاتجاه. لو وجد الاتجاه الأصلى مثمرا فما الحاجة إلى تغييره.

المهارة الأولى كانت الحكمة. اتخاذه قرارا سريعا بأن هذا الاتجاه من الملعب مقفول، مقفول.

ومن ثم، التفكير فى الاتجاه الآخر.

وهذا بالضبط ما أقصده هنا. مهارة الحكم الصائب على الأمور تساعد من يملكها. مهارة إدراك عمرها الافتراضى.

فإن كان فيها أمل «حقيقى» فابذلى فيها مجهودا. أما إن كانت «انتهت»، مقفولة، فلا تلومى نفسك،

إن الخلود ليس من طبيعة الأشياء، نحن أضفيناه عليها بقصور تفكيرنا، وبرغبتنا الجارفة فى الأمان،

وخوفنا من السعى خلف السعادة وملاحقتها فتأخذنا إلى «مهالك». اعملى زى الكابتن رضا عبد العال.

بصى فى اتجاهات جديدة، فاجئى نفسك ومن حولك.

سيكون هذا طريقا أفضل لإحراز الهدف.

للرائع / خالد البرى

» بين الحكم والفتوى .. فالفتوى قد تخالف الحكم
» الجوانب اللاشعورية فى الأمور النفسية قد تغلب كما وكيفا ما ندركه فى وعينا ....
» الفاشى بطبيعة التكوين، لا يرى من الأمور غير طرفيها. إما نصر وإما هزيمة.