شهرزاد Admin
عدد المساهمات : 5700 تاريخ التسجيل : 05/03/2013
| موضوع: الحاجة ماتبقاش حلوة إلا لو نِسَبها مظبوطة .. الثلاثاء مايو 28, 2013 6:21 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] طعام مدام سعاد خدّاع. جيّد جدًّا، لكن روعة عرضه تفوق روعة طعمه. وحين تتحرك سيمفونية المديح حول «السفرة» فليس فيها ذرة من نفاق ولا مجاملة. لكن سميرة أدركت أن الـ«بيبى بطاطس» المشوية كانت تحتاج إلى بهار «روز مارى» أكثر. ورغم أن كل مَن على السفرة خالفوها فى هذا، فإن مدام سعاد أدركت أن سميرة محقّة. لقد استخدمت آخر ما كان لديها من الـ«روز مارى»، وكانت فعلًا تريد المزيد. وأدركت مدام سعاد أنها فقدت أمام سميرة أهم ميزاتها، إبهار الآكلين بطريقة التقديم. فلم تعزمها مرة أخرى. لم أدرِ كيف أعلّق لسميرة على ما حدث. كانت غاضبة من نفسها، قالت إنها بسبب غياب بصرها «بتدقق» فى الحاجات التانية. قلت لها مازحًا إنتى اللى كسبانة. مافيش فى البلد حاجة «تسر الناظرين». لم تبتسم سميرة. وعلى الفور اعتبرت أن ما قلته منتهى قلة الذوق، لكنها رحمتنى من تأنيب الضمير سريعًا. قالت لى: عارف يا خالد، الأكلة كانت حلوة، بجد، وممكن ماكنتش أعلّق، وحتى لما علّقت علّقت تعليق بسيط، هىّ مدام سعاد اللى كبّرت الموضوع. إنما اللى واجعنى بجد، على ذكر الحاجات التانية، إنى مش مستمتعة بالسمع، الحاجة اللى باقية لىّ. السمع كمان زى الأكل، مايتظبّطش إلا بنسب معيّنة. وأنا صغيرة، بعد ما نور عينى راح فى الحادثة، الكلام دا سنة ٦٩، كانت الشوارع برضه زحمة. كنت لما أخرج مع بابا أسمع أصوات كلاكسات كتير، ودا كان بيزعجنى. لكن كان فيه أوقات فيها هدوء. يعنى تروح الشوارع الرئيسية زحمة. تدخل جوه هدوء. فيه أصوات ليها وقت معين، الأذان، برامج الصبح فى الراديو، ساعات صوت جرس الكنيسة لو معدّى من جنبها أو فيه كنيسة قريبة منكم، أصوات البياعين اللى بينادوا، بتاع الزبادى بالليل، وبتاع الجرايد الصبح. طبخة الأصوات مكانتش عظيمة. بس معقولة. سنين عدّت، وحاجات اختفت وحاجات ظهرت. فيه فترة كانت إذاعة أم كلثوم مثلًا أساسية فى الوقت بتاع المغربية. أول ما تبتدى الإذاعة تلاقى ناس كتير مشغّلاها. لو ماشى من شارع لشارع تحس كأن إيدين بتسلمك لبعض. نفس الأغنية توطى من هنا وتعلى من هنا. وأصوات الجوامع كانت كترت. تسمع كذا أذان داخلين فى بعض. من كام يوم بأه كنت قاعدة لوحدى بالليل. وعلى غير العادة قلت مش هاسمع لا راديو ولا تليفزيون، وهاقعد كده أسمع أصوات الشارع. ما أنا باشوف الشارع بالصوت. كان فيه ماتش كورة وجماهير عمالة تشجع تشجع، وتزمّر، مش موقفين. قلت أكيد دا جارنا مشغل ماتش أجنبى. بعدين طلع الأذان، بس فى سكتة الأذان الصوت ماوطيش، وإحنا جارنا عادة بيوطّى التليفزيون وقت الأذان. ركّزت لقيت إن دا صوت جاى من الشارع الرئيسى، وواصل لغاية عندى كأنه ماتش كورة، دا صوت العجل على الأسفلت بس ، الكلاكسات هى اللى افتكرتها زمامير. شوية والشارع بتاعنا كالعادة قامت فيه خناقة. إنتِ عارفة شارع ضيق والعربيات لما بتعدى فيه بتسدّه على بعضها، والناس تنزل تتخانق. الناس قعدت تتخانق، وصلاة العشا شغالة فى الميكروفون. وبعدين التكاتك اتجمعت. ما هى التكاتك بيشغلوا المزيكا بتاعتهم دى بصوت عالى فبعرفهم. وبعد ما الخناقة فضت قعد درس الجامع فى الميكروفون وصوت الزحمة. اللى افتكرته ماتش كورة. الظاهر إنى كبرت وخرّفت. فكّرت بينى وبين نفسى إنى شايفة الشارع. يعنى أنا مش كسبانة ولا حاجة. ما أنا عايشاه. يعنى مصر اللى أنا ماشفتهاش من أربعة وأربعين سنة، أنا شايفاها، من الأصوات بس. من مقادير الأصوات. أنا عارفة مين اللى صوته عالى، ومين اللى صوته واطى. وعارفة مين اللى ماسك الشارع. بس إنت مش هتفهمنى. هتفتكر إنى عارفة علشان بسمعكوا وانتو بتتكلموا عن المواضيع دى، مش هتفهمنى. عارف؟! الشارع دا ناقصه مزيكا. حتى من ييجى عشرين سنة، كانت البنات وهى بتعمل شغل البيت تبقى مشغلة مزيكا، وكان الولد سامح، اللى بقى مهندس دلوقتى، تلاقيه الصبح مشغّل مزيكا. أى حاجة. أى حاجة تحسسنى بالفرحة، زى ما بيقولوا تشرح القلب. دلوقتى ماحدش بيشغل مزيكا أبدًا فى البيت. لا حلوة ولا وحشة. الناس فى البلد دى مش فرحانة. الحاجة ماتبقاش حلوة إلا لو نِسَبها مظبوطة. يا محلى طبخة سعاد. كانت حلوة وزى الفل. خالد البرى | |
|