ولم أبدأ بتلك الكلمات لأصف لكم علاقتى الحميمة بوالدى ولكن تذكرت موقفا هاما مع والدى
كان له الفضل بعد الله فى تشكيل شخصيتى وطريقة تفكيرى.
حيث إننى كنت أتابع والدى بعد كل صلاة وهو يدعو لأسماء معينة بالرحمة والغفران،
أسماء قد أعرفها أو أعرف بعض من ذرياتها وأسماء لا أعرفها.
ولكن استوقفنى اسم دائما ما يدعو له والدى ولا أعرفه
فسألت والدى من هذا الرجل الذى أسمعك تدعو له كثيرا يا والدى؟
فقال لى يا ولدى هذا رجل ( قناوى ) أى من قنا كان جارنا فى فترة الأربعينات وكان يا ولدى (بندرنا) بورسعيد
فكان يذهب هذا الرجل على (حماره) إلى القنطرة غرب ثم يتركه ويذهب لبورسعيد
ثم يعود ليستقله مرة أخرى لبيته بجوارنا ولكنه فى رحلة العودة كان ينادى علينا من (الغيطان)
ليعطينا الحلوى التى وضعها فى عمامته الكبيرة التى يلف بها رأسه،
قلت لوالدى سبحان الله مات هذا الرجل ونسيه أولاده وأحفاده
وما زلت تذكره بسبب الحلوى التى كان يتذكرك بها.
ولكن والدى أردف ليعلمنى درسا مهما، قال يا ابنى لا تعد لبيتك أبدا بدون شىء تحمله لأهل بيتك ولو (بجنيه ملبس) لأن ابنك أو ابنتك لو أدخلت على قلبهم السعادة كانت نواة للحب ودائما ما تجدهم فى انتظارك فتسعد بوجودهم ويسعدوا بعودتك وأيضا يا ولدى لا تذهب لبيت أخيك أو صديقك بدون هدية ولو يسيرة تدخل الفرحة على أطفاله لأنه سوف ينتظرك مرة أخرى بل ولو أطلت عليه سوف يسأل والده عنك وتمتد علاقة حبه لك ليحب ابنك وهنا يحدث التواصل بين الأجيال بسبب تصرف بسيط وغير مكلف أما إذا ذهبت إلى أخيك أو صديقك بدون شىء ولو يسير فى يدك لأولاده فقد يسلم عليك طفله مرة ثم لا يهتم بوجودك مرة أخرى. وهكذا تكون سبب فى قطع أواصر الود والحب بين الأجيال أما ترانى أدعو لكل من أحببت فى طفولتى
حتى اليوم بل وأتزاور مع من بقى من أولادهم وأحفادهم إن وجدوا.
فكرت كثيرا فى تجربة والدى الحياتية،
وأيقنت ساعتها سبب وجود التفكك الأسرى الذى يعانى منه المجتمع فى أيامنا هذه،
وأيقنت لماذا كنا نسمى الفترات التاريخية السابقة (بالعصر الجميل)،
لأنها عصور الحب لأنهم أتقنوا (صناعة الحب).
صالح المسعودى