06.12.2013
محمد خيــــــر
تصوّر فريقا لكرة القدم يشترط على منافسه أن لا يهاجمه،
أو تلميذا يشترط على المدرسة أن لا تمتحنه،
أو فنانا يمنع الصحافة من أن توجه إليه أى نقد.
لن تختلف النتيجة فى الحالات الثلاث، سيفشل فريق الكرة إذا اضطر فى ما بعد إلى خوض منافسة حقيقية،
سيتخرج الطالب من المدرسة، ولن ينجح فى أى عمل،
أما ذلك الفنان فلن يتطور أبدًا.
النقد -بل الهجوم- ضرورى للتطوّر، والدين ليس استثناء، فالدين لا يوجد وحده معلّقا فى الفراغ،
وإنما يحيا عبر المؤمنين به، ومن ثم فإن عدم تطوره -بسبب منع نقده- يقود إلى تخلفهم بالضرورة،
فلا يتطورون إلا بالإجبار أو بمعاهدات الأمم المتحدة، لهذا لم نبدأ -مثلا- فى ترديد أن «الإسلام شجع على تحرير العبيد»،
إلا بعد أن وقّعت إنجلترا مع الخديو إسماعيل معاهدة منع الرقّ 1865 التى قاومها المشايخ كثيرا، وذهبت العبودية،
ولكن ما لم يذهب بعد هو القتل المرتبط بالتكفير فى ما يسمى «حد الردة»،
وهو بالطبع لا يطارد فقط من يجهر بإلحاده أو «يسىء للإسلام»، بل من يتم إقامة «الحجة» على كفره،
أو «ينكر معلوما من الدين بالضرورة»، إذ يكفى أن تفتح الباب لقتل إنسان، حتى تجد مئات المبررات لقتله،
كما هو الحال مع «جرائم الشرف» ومع الإرهابى الذى «اجتهد فأخطأ» إلى آخر الجرائم التى تحصل على معاملة خاصة،
لأنها تلحفت بالدين، وليس «قتل المرتد» مجرد إرهاب من تكفيريين
بل قوانين رسمية فى عدد لا بأس به من الدول الإسلامية،
وعلى رأسها السعودية وإيران، وفى مصر نكتفى -حتى الآن- بسجن المدانين بتهمة «ازدراء الأديان»،
ذلك بالطبع إن لم يتم اغتيال «المتهم» بدعوى تطبيق الحدّ عليه.
يجوز الحديث الآن عن «الردّة» ليس فقط لأننا نعيش الذكرى 21 لاغتيال فرج فودة
ونحن نرى قاتله يمرح بين الفضائيات، وإنما لأن واقعتين ترافقتا مع الذكرى، الأولى فى حلب السورية،
التى أعدم فيها مسلحون إسلاميون الطفل محمد قطاع «15 عاما» بتهمة أنه «أساء للرسول»،
وإذا كنت تظن أن هؤلاء «متطرفون لا يمثلون الإسلام»، فانتقل إلى الواقعة الثانية، وافتح موقع «يوتيوب»
لتقرأ مئات التعليقات التى تطالب بقتل الكاتب حامد عبد الصمد، عقابا على رأى أدلى به خلال ندوة لحركة «علمانيون»،
تقرأ التعليقات لتكتشف أن من ينفذون القتل ليسوا «أقلية»، بل هم أقرب إلى «نخبة» تعبر عن كل هؤلاء
الذين يطالبون بالقتل، وما زالوا إلى اليوم يشيدون «بمن خلصنا» من فرج فودة.
وليس هذا مفاجئا إزاء التصريح الشهير للشيخ يوسف القرضاوى «لولا حد الردة لما بقى الإسلام»،
والواقع إن «لو» صيغة افتراضية، ومن ثم لا نعرف مدى صحة استنتاج الشيخ،
لكن السؤال الأهم ينبغى أن يكون حول دور حدّ الردة فى بقاء الإسلام
«على صورته الحالية» المتجسدة فى العالم الإسلامى.
لو تأملنا قائمة أعضاء منظمة التعاون الإسلامى التى تضم 57 دولة، سواء استعرضنا جناحها الإفريقى من مالى
وتوجو والصومال، الآسيوى من طاجيكستان وباكستان وإيران، أو قلبها العربىّ، فكأننا نتجرع كوكتيل الاستبداد والأمية
والمرض بل وبعض العبودية، حتى إننا نعتبر الحالة التركية «نموذجا»
مع أنها لا تصمد فى أى مقارنة مع أى بلد متقدم.
وضع إسلامى مزر ولكنه ليس غريبا، ذلك أن رصاصة فرج فودة أو سكّين محفوظ أو اضطهاد نصر أبو زيد
كلها تكاد تكون من الوسائل «الرحيمة» فى التاريخ الإسلامى،
لم يجرب أحد هؤلاء أن تُقطع أوصاله وتلقى تباعا فى النار، كما جرى لابن المقفع بأمر من الخليفة المنصور،
لم يُترك فى زنزانة بلا أكل حتى مات جوعا كما جرى للسهرودى بأمر من صلاح الدين،
ولم يُحرق مصلوبا كالحلاج على يد المقتدر بالله، ومن هؤلاء إلى غيلان الدمشقى والتوحيدى وغيرهم،
بحيث لا تكاد تجد مفكرا فى التاريخ الإسلامى لم يلق مصيره المأساوى، لا يمكن لك إلا أن تتساءل ماذا لو
لم يعان كل مفكر فى التاريخ الإسلامى رعب القتل والاضطهاد؟ ربما لكانت الحضارة الإسلامية قدمت إلى العالم
-ولنا- ما يتناسب والتاريخ الطويل للدولة الإسلامية، ربما لم يكن سيصل الأوروبيون إلى شواطئنا
فيجدوننا نصرخ «يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف»، واليوم بعد قرنين على الحملة الفرنسية
لم يعد العالم ينظر للمسلمين كعدوّ -كما يتخيل البعض-
وإنما كـ«حالة عقلية» ينبغى مكافحتها أو علاجها،
أى «عدوّ» ذلك الذى يعجز عن إنتاج سبحة صلاته فيستوردها من الصين؟
إنه -بالطبع- العدو الذى لا يسمح بالنقد فيبقى فى الماضى.
لا تطوّر دون حرية النقد والحق المطلق فى الاعتقاد، أما القتل بحجة الكفر والزندقة أو أى مسمى،
فلا يختلف عن العبودية والرق والسبى، أمور تركها العالم خلف ظهره فى ظلام العصور الوسطى،
القتل ليس اجتهادا ولا وجهة نظر، بل جريمة وحشية لا غير.