06.13.2013
واحدة من معضلات مصر هى تراجع الأفضل وتمكين المفضول.
الأفضل (بمعنى الأكفأ، الأكثر تعلما ونباهة ومبادرة) يختار أن ينزوى
أو أن يعمل فى مجال العمل الخاص (وهذا ليس عيبا)،
لكنه يتراجع عن العمل العام (وتحديدا الحكومى أو المرتبط به)، فيكون مستعدا مثلا
لأن يتبرع بالمال والأفكار، ولكن يطلب أن يكون فى الظل لأنه يخشى من حزب أعداء النجاح
أو كارهى الإنجاز أو الراغبين فى تشويه الآخرين من قبيلة «بنى همبك»،
ابنة عمومة قبيلة بنى «كروت»، بل إن بعضهم يعمل فى الخفاء،
ليس من باب طاعة الخالق فى الإنفاق سرا، وإنما هو يعمل خوفا لأن هناك من يترصد لكل ناجح.
وحين أسمع هذا الكلام من أسماء بالفعل لامعة وناجحة فى مجالاتها،
فالإنسان يخشى أن العملة الرديئة تدمر البيئة الصالحة للعملة الجيدة.
هذه كارثة وطنية بكل المعايير. من بين عشرين شخصا مرشحين لمهمة ما،
نجد أن أكفأ خمسة هم الأكثر زهدا فيها، والأقل كفاءة هم الأكثر استعدادا لها.
هذه دعوة صريحة لأبناء جيلى ممن تخرجوا فى الجامعات فى الثمانينات والتسعينات،
التراجع، تواضعا أو خوفا، ليس بديلا.
الجيل اللاحق علينا بحاجة إلينا كى نساعدهم ونمكنهم، والجيل السابق علينا
بحاجة لأن نتعلم منهم وأن نضيف إليهم.
أرجوكم، لا تتركوا الساحة للمفضولين بغير عذر، فالمفضول من بنى «همبك» فى تحالف قوى
مع المفضول من بنى «كروت» والاثنان فى شراكة تاريخية مع المفضولين من بنى «فوت».
ولا أتصور نجاح الأفضل فى مواجهة هذا التحالف الجهنمى إلا بإقناع الأفضل فى مجالات متنوعة
بالتقدم الجماعى كفريق عمل متجانس يتخطى الميليشيات السياسية التى تعيشها مصر.
وهذه هى مزية أخرى للناجحين: أنه يعلم أنه لن ينجح وحيدا.
وقد تذكرت كلام صديقى المهندس حاتم خاطر، المعين حديثا رئيسا لاتحاد الجمعيات الأهلية،
بشأن رؤيته لمشكلة العمل الجماعى فى مصر، وهو أن الكثيرين باحثون عن النجومية الفردية،
قطعا هناك مساعدون ولكن هم ليسوا شركاء. وهو ما جعله يقدم رؤية سباعية للعمل الجماعى الناجح
لا يمكن أن تتوافر فى شخص واحد إلا خروجا على مألوف الفطرة من التفاوت فى القدرات والملكات.
أما المكونات التى أنقلها عنه لأى فريق عمل بهدف تمكين الأفضل فهى: مكون الرؤية، ثم مكون الدراسة
وتمحيص هذه الرؤية، ثم مكون التخطيط، ثم مكون التحفيز، ثم مكون التنفيذ، ثم مكون المراقبة والتقييم،
ثم مكون خلق التناغم بين شركاء العمل الجماعى.
هناك أشخاص أفضل من غيرهم فى مسألة التخطيط، وهناك آخرون أفضل فى التحفيز،
وهناك من هم أفضل فى أمور خلق التناغم بين الشركاء.
هذه قيم النجاح التى ما نجح الناجحون إلا بها، وما فشل مجتمع إلا لغيابها. هل نحن لها؟
هل نحن قادرون عليها؟ هل نستطيع أن نكون حلقة الوصل بين الكبار الذين وقعوا
(وربما سيوقعون جيلنا واللاحقين علينا) فى أضابير الخلاف والشقاق والانشقاق؟
هل نحن قادرون على العمل الجماعى؟ هل نحن قادرون على تمكين الأفضل؟
فلنحاول.. هذه مسئولية جيلنا.
أرى أجزاء كثيرة سليمة فى مصر (بس لوحدها) كما قال الكوميديان الشهير.
ولو كانت هذه الطاقات تجد فى النهضة الحقيقية عملا لما احتاجت لرفع شعارات التمرد والعصيان.
كنت أطالع حديثا كتابا شهيرا فى التنمية البشرية (الصفات السبع للشخصيات الأكثر فعالية)
كجزء من تحضيرى لبرنامجى الجديد، وبعد أن انتهيت منه عرفت لماذا كان هذا الكتاب
مقررا على طلاب الدراسة الثانوية فى العديد من المدارس الأمريكية. أولى مشاكل مصر
هى مشاكل العقل المصرى. عقل فيه طاقة هائلة وفوضى هائلة أيضا.
عقل تختلط فيه الحقائق بالمخاوف، وتختلط فيه الأحلام بالأوهام.
انقسام مصر بين ميليشيات سياسية متنوعة له مخاطر شديدة على الدولة،
وانقسام المصريين بين «بنى همبك» و«بنى كروت» و«بنى فوت» فيه مخاطر شديدة على المجتمع،
لكنها مخاطر واجهتها دول ومجتمعات أخرى ونجحت فيها
حين عرفت أصل الداء وأحسنت اختراع الدواء.
هذا كان الحال، وربما يكون بداية للحل، باختصار.