06.13.2013
الشبه فى اللغة، بكسر الشين مشددة مع سكون الباء، يعنى المثل.
والجمع: أشباه. تقول: الحكم شبيه بالعدل، أى مثله.
ويتوهم العامة أن أحكام القضاء محررة، فلا واسطة بين العدل وبين الظلم،
بحيث يكون حكم القضاء إما لك وإما عليك. ويستغل المفتنون فى الأرض
هذا الوهم للإفساد بين الناس، ويفرحون بتخبئة منطقة المشبهات؛
لأنها ستخفف من نزاع المتخاصمين بفتح باب الإعذار فيما بينهم.
إن الخبراء فى العلوم العربية والإنسانية، والفقهاء فى العلوم الشرعية
يعتقدون أن علم الإنسان مهما علا محدود بالظاهر المتاح؛ لأن الباطن غيب الذى لا يعلمه إلا الله،
والظاهر لا يكون كذلك إلا عند من كاشفه. أما عند غيره فلا يزال فى نظره غيباً،
وقد يراه بشبهين مختلفين فلا يسعه إلا الاعتراف بهما فى الدنيا حتى يفصل الله بينهما فى الآخرة؛
لأن العمل بأحد هذين الشبهين فى نظر من رآهما ليس أولى بالعمل من الآخر.
وهذا وارد فى كل العلوم النظرية، ففى علم اللغة العربية تسمع عن
«شبه الجملة» وهو الجار والمجرور والظرف والمضاف،
كما تسمع عن «شبه الفعل» وهو الاسم الذى يشبه الفعل فى الدلالة على الحدث
ويسمى «الاسم المشبه بالفعل» وهو تسعة أنواع: المصدر وصيغ المبالغة والصفة المشبهة
وأسماء الفاعل والمفعول والتفضيل والزمان والمكان والآلة.
وفى علوم الفقه والقانون تسمع عن «شبه الدليل» وهو المعروف بالشبهة التى يدرأ بها الحد،
وهى ما يشبه الثابت وليس بثابت. كما تسمع عن «شبه العمد» وهو ما ليس بخطأ ولا بعمد.
كما تسمع عن «شبه النفس» وهو الجنين الذى يراه الحنفية نفساً من وجه دون وجه.
إذا اقتنعت بمنطقة الشبه فاعلم أن الأصل فى أحكام القضاء أن تكون بالعدل؛
لقوله تعالى: «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» (النساء: 58).
والعدل فى الدنيا يعتمد على الظاهر، ويهدف إلى خروج المتنازعين مقتنعين بسلامة الحكم
فينفذانه دون مغالبة أحدهما لصاحبه.
وبهذا التفسير استطاع أهل الحكمة والخبرة فى العمل الفقهى والقضائى أن يشتقوا مصطلح «شبه العدل»
عندما يكون محل النزاع له شبهان مختلفان، ويصلح كل منهما للحكم به فيحكم القاضى بالشبهين معاً
بحيث لا يوجد غالب ولا مغلوب. وهذا ما وجدناه من شيوخ قضاة مصر فى المحكمة الدستورية العليا
عندما قضت يوم الأحد الثانى من يونيو 2013م حكماً بعدم دستورية قانونى
انتخابات مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لوضع الدستور وقانون الطوارئ
إلا أنه يوقف أثر هذا البطلان صدور الدستور الجديد طبقاً لنص المادة (230)
والذى يقضى بأن: «يتولى مجلس الشورى القائم بتشكيله الحالى سلطة التشريع كاملة
من تاريخ العمل بالدستور حتى انعقاد مجلس النواب الجديد».
والأصل فى جواز الحكم بالشبهين المتعارضين معاً فى حال صلاحية كل منهما للحكم به منفرداً:
ما أخرجه الشيخان عن عائشة قالت: كان عتبة بن أبى وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبى وقاص
أن ابن وليدة زمعة منى، فاقبضه. قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد
وقال: يا رسول الله، ابن أخى قد عهد إلىّ فيه، انظر إلى شبهه.
فقال عبد بن زمعة: أخى وابن وليدة أبى ولد على فراشه. فنظر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
إلى شبهه فرأى شبهاً بيناً بعتبة، فقال: «هو لك يا عبد بن زمعة. الولد للفراش وللعاهر الحجر» ث
م قال لسودة بنت زمعة، زوج النبى (صلى الله عليه وسلم): «احتجبى منه»
لما رأى من شبهه بعتبة، فما رآها حتى لقى الله.
يقول ابن دقيق العيد (ت 702 هـ): «استدل بهذا الحديث بعض المالكية على قاعدة من قواعدهم
وأصل من أصول المذهب وهو: الحكم بين حكمين. وذلك أن يكون الفرع يأخذ مشابهة من أصول متعددة
فيعطى أحكاماً مختلفة ولا يمحض لأحد الأصول. وبيانه من الحديث: أن الفراش مقتض لإلحاقه بزمعة،
والشبه البين مقتض لإلحاقه بعتبة. فأعطى النسب بمقتضى الفراش وألحق بزمعة،
وروعى أمر الشبه بأمر سودة بالاحتجاب منه، فأعطى الفرع حكماً بين حكمين».