د.هبه ياسين
وإليك (م) أقول:
من الواضح أن والدك- رحمه الله- كان شخصية جديرة بالاحترام والتقدير، ويا لك من محظوظ
ليكون لك أب يصلح لأن يكون قدوة وأسوة فى مثل هذا الزمان، الذى يصعب فيه
أن تجد شخصا يستحق الإتباع، لهذا أنا مقدرة حجم تعلقك بأفكار والدك،
وقدر سيطرت شخصيته على تفكيرك، لكنك نسيت شيئا مهما جدا، وربما نسيه والدك أيضا،
هو أن التربية الصحيحة هى أن نربى أبنائنا ليكونوا أنفسهم، لا ليكونوا نسخ جديدة منا نحن،
فأى أب أو أم واعيين، يجب أن يدركا جيدا أنهما يربيا أولادهما ليعيشا فى زمن غير زمنهما،
وظروف غير ظروفهما، وطبيعة حياة مختلفة تماما
عن تلك التى عاشاها هما ونشآ فيها عندما كانا صغارا.
ما الذى يجب عليك فعله إذا؟.. أن تستخلص من مواقف وتصرفات والدك المبدأ والقيمة العليا،
لا أن تكرر نفس المواقف والأفعال، أو أن تختار نفس الاختيارات، ليس هذا فحسب،
بل عليك أن تقوم بعملية (فلترة) أيضا لهذه المبادئ والمعتقدات التى استخلصتها من والدك،
وأن تفكر باستمرار فى أيها يصلح لأيامنا هذه؟ وأيها يحتاج إلى بعض التعديل؟،
وأيها لا يصلح تماما لأن زمانها قد ولى؟.. هكذا تتطور الأجيال، ويحدث الإبداع،
ويأتى الجديد الذى لم يكن أحد يصدق أنه سيأتى أبدا فى الماضى.
انزع من رأسك فكرة أنك حتما ستخطئ لو خالفت (دستور) والدك، فربما اختياره
الذى كان صحيحا منذ 20 سنة، يكون هو عين الخطأ الآن، وربما هو نفسه لو كان على قيد الحياة
لكان غير من رأيه فى بعض المواقف والقرارات والاختيارات، الدنيا تتغير وتتطور،
وكذلك يجب أن يكون الإنسان وإلا تخلف وتراجع وعفا عليه الزمان.
أعتقد أنك ابن بار بوالدك، لديك الكثير من الولاء له، وترى أنك قليل الخبرة فى الحياة بالمقارنة به،
أو ربما قليل الخبرة بشكل عام، مما يقلل ثقتك بنفسك وبتفكيرك وبقراراتك، لهذا أنت تؤثر السلامة
و(تمشى عالعجين ما تلخبطوش) كما يقولون فى المثل الشعبى، أى أنك تنفذ تعليمات والدك بحذافيرها
وتريح عقلك وضميرك، معتقدا بأن هذا هو الصواب، لكنى يؤسفنى أن أقول لك
أن هذا لا يمكن أن يكون صوابا على طول الخط.
فكر وتصرف تبعا لتفكيرك أنت، وحتى لو أخطأت، ماذا فى هذا؟، من منا لا يخطئ؟،
ومن منا متأكد من اختياراته على طول الخط؟، وكيف سنتعلم إلا إذا أخطأنا؟.. هون على نفسك يا أخى
فالحياة تجارب، وبدون تلك التجارب لن ننضج ولن نتعلم ولن نصبح شيئا يوما ما.
أما بالنسبة لموضوع ارتباطك، فهذا الأمر يخصك أنت شخصيا فى المقام الأول، فأنت من ستتزوج
وليس والدك أو أى من أهلك، صحيح طبعا أنك يجب أن تعتبر إلى رأيهم وتهتم بملاحظاتهم،
وأنا لا أشجع على تجاهل آراء الأهل فى مثل هذه الأمور أبدا، لكنى وفى حالتك هذه أرى أن والدك
كان على خلاف مع الأم وليس البنت، وبالتالى لم يكن لديه ملاحظات سلبية عن البنت نفسها،
مما يوحى بأنها ربما تكون فتاة جيدة، وشريكة حياة مناسبة لك،
خاصة بعد أن قررت أنت هذا بعقلك وبقلبك وبارتياحك النفسى.
للأمانة وبحكم الخبرة أريد أن أنبهك إلى أن المثل القائل (اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها)
مثل به قدر كبير من الصحة، وأحيانا يكون مثال معبر عن الحال، لهذا عليك أن تختبر الفتاة
وتتعامل معها جيدا قبل الزواج لتتأكد من أنها ليست مشابهة لأمها فى الطباع السيئة،
فقد تكون البنت مظلومة ولا ذنب لها، وقد تكون نسخة طبق الأصل من
والدتها، ولن تعرف هذا إلا بالاحتكاك والتعارف، وهذا هو دور الخطوبة،
فالخطوبة لم تكن إلا ليتعارف الطرفان بشكل جيد إلى حد ما،
وليكتشف كل منهما مميزات وسلبيات الآخر.
أحب أن أؤكد لك أنه أيا كانت الفتاة التى سترتبط بها، فإنك حتما ستجد بها عيوب وسلبيات،
وأنه ليس معنى أنك تركت قريبتك تلك لأن والدك كان يرى سلبيات والدتها، أنك ستجد أخرى خالية
من المشاكل هى وأهلها، لهذا أنصحك أن تختبر قريبتك هذه جيدا، طالما أنك ترى فيها
مواصفات شريكة حياتك، وطالما أن هناك تبادل قبول بينكما، لترى بنفسك هل الأمر مؤثر على فتاتك
وبالتالى على حياتكما فى المستقبل أم لا؟.
أما عن (زواج الأقارب) فهو حتما له عيوبه ومشاكله إذا فشل، لكنى لا أراه سببا لتتخلى عن فتاة أحلامك
إذا وجدتها بالفعل، وإذا كنت متأكدا أنها هى التى ستناسبك كشريكة حياة فيما بعد،
كذلك عامل الوقت، فربما تنتظرها 4 سنوات لتتزوجا، لأنها تستحق الانتظار،
ولأنها هى التى تبحث عنها، ولأنه فى المقابل قد تجد من تتزوجها الشهر القادم،
لكنها ليست هى من تريد، وليس بها ما كنت تتمناه أو تبحث عنه.
الأمر كله يتوقف على قوة تمسكك ورغبتك فى الفتاة نفسها، لو كنت مقتنعا بها،
وترى أنها من الصعب أن تتكرر، إذا أقدم على الخطوبة، ودع الأيام تكشف لك مدى توافقكما
وتناسب طباعكما مع بعضكما، أما إذا كانت عندك مثلها مثل غيرها، فـ (خدها من قصيرها)
وتزوج فتاة أخرى قريبة لك فى السن، وجاهزة للزواج، ولا تمت لك بصلة قرابة،
ولكنه لا شىء يضمن أيضا نجاح هذه الزيجة بالرغم من أنها تخالف
كل ظروف الزيجة الأولى.. أفهمتنى؟.