07.06.2013
كارم محمود
أكتب هذه السطور على وقع طلقات الرصاص التى تدوى هنا وهناك، فى أكثر من مكان فى مصر،
بين طرفين كلاهما من أبناء هذا الوطن، لكن أحدهما لا يريد أن يقتنع
أو يصدق أن الشرعية هى للشعب.. والشعب فقط.
أكتب هذه السطور لأحذر وأنبه من خطورة عودة الملايين التى خرجت، فى «الثلاثين من يونيو»
وما بعده، للجلوس على «الكنبة» مرة أخرى، والركون إلى مقولة
«الموضوع انتهى.. والجيش خلص كل شىء» التى يرددها البعض،
فالجيش نفسه يطلب لنفسه الحماية المدنية والظهير الشعبى، الذى بدونه ينجح بعض «شراذم الإخوان»
فى إقناع جزء من المخدوعين والموهومين فى الداخل بأن ما يحدث «انقلاب عسكرى»،
واستدعاء الخارج للتدخل بحجة «إنقاذ الشرعية»، خصوصًا «الكفيل الأمريكى للإخوان»
القابع فى البيت الأبيض، الذى فاجأه أن الشعب المصرى خرج بكل تلك الملايين لينقذ ثورته
ممن اختطفوها، فلا يزال «المستر أوباما» مذهولًا ومصدومًا من عدم انصياع
قادة الجيش المصرى الوطنى لكل الضغوط التى مارسها عليهم، سواء مباشرة أو عبر سفيرته
فى القاهرة «الداهية العجوز» آن باترسون، التى حرضت وزير الداخلية المصرى على الاستجابة
لمخطط إخوانى لشن حملة «اعتقالات استباقية» ضد قيادات ورموز سياسية وإعلامية،
قبل يوم الحسم فى الثلاثين من يونيو، كما طالبته بالتصدى للمتظاهرين السلميين بالقوة.
أحذر وأنبه من «كارثة» تكرار أخطاء ثورة «25 يناير»، وأكبرها خطأ ترك الميادين
والانشغال بجمع وتقسيم «الغنائم»، أو على الأقل ترك الساحة للمتاجرين من نهازى الفرص،
والمستعدين للقفز إلى الكراسى ولو على جثث شهداء الثورات. فالغريب أن بعضنا، ربما بحسن نية،
لم يتعلم الدرس.. وبدأ فى ترشيح الأسماء لتولى المناصب والحقائب الوزارية فى الحكومة
التى لم تتشكل بعد (!!)، فبدأنا نسمع عن ترشيحات «جبهة الإنقاذ»، وأخرى من حركة «تمرد»،
وثالثة تطالب بتمثيل مناسب للمرأة أو للشباب أو الأقباط، بينما نشط البعض الآخر
وبذل جهدًا ملحوظًا فى اللف على الصحف والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية
لأجل «تلميع» وتقديم نفسه، بعد أن انتابته نوبة «حماسة ثورية» مفاجئة.
كل ذلك يتم، من دون أن نترك الفرصة لرئيس الحكومة الذى يقع عليه الاختيار،
فى أن يختار «الفريق الفدائى» الذى يقبل العمل فى تلك الظروف العصيبة،
بعيدًا عن أجواء الخلافات والصراعات التى نرجو أن لا تبدأ مبكرا،
خصوصًا أن الأمر لم يُحسم تمامًا بعد،
وهجمات «شراذم الإخوان» المترنحة ما زالت تُشكل خطورة،
وضغوط الخارج تشتد بتحريض واضح من واشنطن والسيد أوباما (!).
وأعود لأحذر وأنبه أيضًا من الإفراط فى الاعتقالات أو الإجراءات الاستثنائية، خصوصًا
تجاه وسائل الإعلام، فهى الحجة التى يتشدق بها أعداء «ثورة» الشعب المصرى،
فى الداخل والخارج. وأقول إنه يجب أن تربأ مصر الثورة بنفسها عن تلك الإجراءات،
حتى ولو كانت مؤقتة، وأن علينا أن نقدم المثل والقدوة فى الالتزام بدولة القانون،
حتى ولو كانت ضد محرضين على العنف والقتل والحرب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد،
فالقانون وحده هو الفيصل والحكم، فلا بد أن نرسل رسالة واضحة إلى أبناء
وأنصار التيارات الإسلامية، وأولها أعضاء جماعة «الإخوان» أنفسهم، أن الانتماء
إلى تلك الجماعات ليس جريمة، فبذلك فقط نفند «الأكذوبة»
التى يروجون لها بأن هناك «حربًا» على الإسلام.
ومبكرًا، نحذر وننبه أيضًا أصحاب السلطة والقرار فى البلاد الآن، خصوصًا وزير الداخلية
وقيادات وزارته (التى لعبت هذه المرة دورًا مؤثرًا فى الانحياز إلى المتظاهرين السلميين)،
من عودة ممارسات «بغيضة» لبعض رجال الأمن الوطنى، الذين ربما يتمنون فى داخلهم
عودة سطوة وبطش جهاز «أمن الدولة» المنحل. وأطالب الوزير اللواء محمد إبراهيم
بالتحقيق (مبكرًا) فى الاعتداءات اللفظية والبدنية، التى ارتكبها بعض ضباطه الذين اقتحموا
مقار القنوات الفضائية الدينية، مساء الأربعاء الماضى،
ضد الصحفيين والإعلاميين والعاملين فى تلك القنوات.
أخيرًا، أنبه وأحذر، وأكرر التنبيه والتحذير، من ظهور بعض رموز «نظام مبارك» فى الصورة مبكرًا،
لادعاء أنهم كان لهم دور فى «ثورة الشعب» فى الثلاثين من يونيو،
فهذا أكثر ما يشوه جمال الصورة.. صورة الحشود التاريخية المبهرة التى خرج بها الشعب المصرى كله
فى ذلك اليوم المشهود.
ولا يتصور أحد منهم أن عجلة التاريخ تعود إلى الوراء، ولا عجلة الثورة أيضًا.