07.07.2013
خالد كساب
إذن.. ها هو القصر الذى ظللنا طوال مدة عرض فيلم «the others» نتعامل معه ومع قاطنيه
- الجميله نيكول كيدمان وطفليها الغريبين والخدامين بتوعهم –
كبشر منعزلين تسير حياتهم وفقاً لمجموعة من الطقوس والقواعد الخاصة..
بينما تحاول بعض الأشباح العبث بنظام حياتهم الصارم وإخراجه عن مداره..
ها هى حقيقة ذلك القصر وحقيقة قاطنيه تتكشف لنا فى نهاية الفيلم لنكتشف أن من ظنناهم
أصحاب القصر ليسوا سوى أشباح موتى رحلوا عن عالمنا منذ زمن.. بينما من ظنناهم أشباح
ليسوا سوى بشر أحياء مثلهم مثلنا يحاولون تطفيش تلك الأرواح البجحة التى تعتبر نفسها صاحبة القصر
واسترجاعه منهم ليقطنه البنى آدمين الطبيعيين الأحياء مرة أخرى..
لماذا حدث هذا اللبس؟!
لأن مؤلف الفيلم إشتغلنا وقدم لنا الحكاية منذ بداية الفيلم من وجهة نظر الأشباح..
وهكذا ظللنا طوال ساعتين نشاهدهم ونستمع إلى أحاديثهم ونتعرف على تفاصيل حياتهم اليومية
بدون أن ندرك أنهم أشباح.. وهذا ليس عيباً منا بقدر ما هى إشتغالة من المؤلف..
والسؤال الآن هو.. بعد أن أفصح لنا المؤلف فى نهاية الفيلم عن سر إشتغالته
وأخبرنا أننا كنا فاهمين غلط وأن الأمور بالعكس.. وأن من ظنناهم أشباح طلعوا بنى آدمين
ومن ظنناهم بنى آدمين طلعوا همه اللى أشباح.. هل يصح أن نقفش بعدها ونقفل دماغنا
ونصر على التعامل مع الأشباح كبنى آدمين على الرغم من أن الفيلم أصلاً قد إنتهي؟!
تقريباً هذا هو ما يحدث فى مصر الآن.. الفيلم إنتهى.. والتترات نزلت..
وعرفنا مين عمل إيه بالظبط فى الفيلم.. ولكن الجمهور لم يغادر قاعة العرض..
ولا زال يجلس كل فى مكانه.. فبعد ساعتين من الإشتغاله فقد الجمهور ثقته فى حقيقة أن الفيلم
قد إنتهى ولم يتقبل فكرة أنه ينبغى عليه الآن مواصلة حياته خارج قاعة العرض
وظل منتظراً مفاجأه قد تحدث وشاشه قد تضىء مره أخرى وجزءاً ثانياً من الفيلم قد يبدأ عرضه
وقد تعود فيه الأشباح من جديد لمواصلة إشتغالتنا وإشعارنا أنهم أحياء وليسوا موتى..
ذهب إليهم مدير السينما لمحاولة إقناعهم أن العرض قد إنتهى.. لم يصدقوه فى البدايه
ولكنهم مع الوقت بدأوا فى الإقتناع.. وقبل أن ينهضوا من أماكنهم إستعداداً للإنصراف..
أظلمت فجأه قاعة العرض.. وظهرت صورة سريعة على الشاشة لمجموعه من أنصار هؤلاء الأشباح
وهم يدافعون عن أشباحهم ويحيطون بالشوارع المجاورة للقصر وهم يرتدون جلاليب بيضاء موحده
زى جلاليب الأشباح مكتوباً عليها جمله واحده.. «إحنا أشباح ونرفض إهانة الشبح الكبير بتاعنا»..
عاد الناس إلى أماكنهم مره أخرى وقد فقدوا ثقتهم فى كون الفيلم قد خلص من عدمه..
فها هو الفيلم لم ينتهى وها هم صبيان الأشباح يحاولون صنع جزء ثان من الفيلم
بما تيسر لهم من الأسلحة والإجرام والهمجية والبلطجة والقتل والجهل..
لم يأمر المدير رجاله بإيقاف آلة العرض.. ولكنه بدلاً من ذلك إستمر فى مخاطبة الجمهور
وإخبارهم بأن الفيلم خلاص خلص.. حاول بعض الجمهور إفهامه أن الفيلم لا يزال شغال..
فها هى الشاشة مضاءه وها هو الشعاع المنبعث من فتحه صغيره فى الحائط يلقى بصوره المتحركة
على الشاشة.. ها هى الحكاية أمامنا مستمرة.. ولكن أحداً لم يستمع إليهم من العاملين فى دار العرض..
فقط ظلوا يطلبون منهم الرحيل على أساس أن الفيلم قد إنتهى..
عزيزى مدير السينما.. إما أن توقف آلة العرض حالاً.. إذا كنت بالفعل تريد من الجمهور أن يغادر..
وإما ما تضايقش إذا لم يصدق الناس إنتهاء الفيلم.. لأنه بالفعل لسه ما انتهاش..
ولو مش مصدقنى.. بص على الشاشة.. وانت تعرف بنفسك!
خلق الله الأرض للحياه.. لهذا.. ليس هناك مكان فيها لتلك الأشباح الموهومة والميتة
منذ فترة واللى لسه بتجائر ولا تريد الإقتناع بأنها ليست سوى أشباح..
مجرد أشباح من الماضى السحيق.. ليس أكثر ولا أقل!