07.16.2013
عمرو حسنى
الحلول التوافقية لا تكون دائما أفضل الحلول إلا عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل، ويبتعد تماما عن المبادئ.
تخيلوا معى الحوار التوافقى التالى بين شخصين مختلفين مبدئيا، يعيشان معا بجسديهما
فى القرن الواحد والعشرين، بينما يحيا أولهما بروحه فى عصر آخر سحيق،
ويتطلع ثانيهما ناظرا إلى المستقبل:
الأول: علينا تطبيق منهاج الحياة فى العصور الوسطى، لأنه يضمن لنا التقدم.
الثانى: لن نتقدم إلا عندما نلحق بالعصر الحديث وننطلق إليه من زماننا الحاضر.
بالله عليكم هل يكون الحل التوافقى بينهما بأن يلتقيا فى منتصف الطريق ويقبل كلاهما
بتطبيق منهاج الحياة فى القرن التاسع عشر مثلاً؟! هل هذا حل توافقى مقبول؟
هل تتوافق مع من يريد أن يقتلع عينيك بأن تلتقى معه فى منتصف الطريق
وتقبل أن يقتلع لك عينا واحدة فقط؟! بالطبع لا يصلح أى من الحلين التوافقيين
فى المثالين السابقين، لماذا؟ لأن الخطأ المحورى هنا هو أن الاختلاف حول الأسس والمبادئ
يجعل من المستحيل أن يدور حولها حوار يؤدى إلى حل توافقى. فى المثال الأول لدينا شخصان
يريدان التقدم واللحاق بمن سبقوهما من الأمم بطريقتين مختلفتين.
الأول يؤمن بأنه سيكسب السباق إذا ترك الآخرين وعاد بمفرده إلى نقطة البداية!
بينما الثانى يرى أن المنافسة فى السباق تبدأ بأن ينطلق بأقصى سرعته وقوته من المكان
الذى يقف فيه الآن. المنطق البسيط يقول إن التوافق لا يجب أن يدور حول الثوابت.
هل يصح أن أتوافق معك لكى تأكل فقط ولا تشرب؟ هل يمكن للمسلم أن يتوافق مع شيخه
لكى يصلى أربع مرات فقط فى اليوم لأن ظروفه لا تسمح له بالاستيقاظ مبكرا؟
يمكننا أن نجلس معا لنتوافق حول كيفية تنظيم تطبيق حقوق الإنسان،
ولكن لا يمكننا أن نجلس لنتوافق حول حقوق الإنسان ذاتها! هنا يصبح الأمر
عبثيا وكوميديا فى نفس الوقت. التوافق لا يصح، ولا يجوز له أن يضرب المبادئ
ويصيبها فى مقتل، لأن التوافق حول المبادئ يؤدى إلى تجزئتها وتعطيلها،
بل وتفريغها من مضمونها. التوافق حول القيم العليا للإنسانية يشبه قبولنا بالموت،
بينما نجلس ونختلف مع قاتلنا حول تفاصيل الدفن والعزاء! الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور
وافق بإيعاز من مساعديه على التوافق مع حزب النور على دمج المادتين 2 و219
من دستور 2012 المشبوه، وتضمينهما معا فى المادة الأولى من إعلانه الدستورى الجديد.
هاتان المادتان يا سيادة الرئيس المؤقت تؤسسان لدولة دينية. كيف يتم التوافق على وضعهما
كنواة لدستور نكتبه بعد ثورة قامت لتقويض حكم عصابة كانت تخطط لقيام دولة الفقيه؟!
أهناك كوميديا عبثية أكثر من هذا؟ تخيلوا معى أن خطيبين لم يتزوجا بعد. هو يريد ممارسة الجنس
قبل إتمام الزواج، وهى تريد أن تظل عذراء حتى يحين موعد زفافهما بعد عام.
هذان العروسان غالبا ما يمكنهما أن يتوافقا وينتهى الأمر بينهما بأن تتنازل العروس
وتوافق على منح عريسها قبلة، أو لمسة قبل الموعد المحدد لدخوله بها،
لكن أن يجلس للتوافق معها، ويكون الحل من وجهة نظره أن تقبل بممارسته للجنس معها
قبل موعد زواجهما بنصف عام، متعللاً لها أنه يتنازل عن تنفيذ رغبته الآن، ويقبل الانتظار
لنصف المدة، لذا فعليها أن تتنازل مثله وتقبل بهذا الحل التوافقى! هذا هو العبث بعينه.
حزب النور يريد أن يتوافق معنا حول تفاصيل ولادة الدولة الدينية، بينما نحن نريد التوافق معه
حول خطوات صناعة دولة مدنية حديثة، يكفى أن يرد فى دستورها نص المادة الثانية
المتوافق عليها قديما فى دستور 71.
سعادة رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلى منصور، مصر لن تتحمل تبعات توافقات
تكرر تجربة الإخوان المأساوية مع بطل جديد يسمى حزب النور. هذه المرة سيكون الثمن فادحا،
وهو لن يخرج عن احتمالين. الأول عودة بائسة إلى العصور الوسطى تتمثل فى دولة دينية طائفية،
نرى نماذجها الفاشلة فى ما حولنا من أنظمة مستبدة جاهلة فقيرة تحتضن الإرهاب وتقمع شعوبها.
أما الاحتمال الثانى فهو الاقتتال الطائفى الذى قد يصل بالمجتمع
إلى حرب أهلية نحاول جاهدين أن نتجنبها.
هذه هى نتيجة القبول بتوافق يدور حول أساسيات لا ينبغى التوافق حولها،
لأنه يدخلنا فى تفاصيل تؤدى إلى التفريط فى ثوابت لا يجوز لنا التفريط بها.
التوافق بين من يريدون دولة مبصرة، وبين من يريدونها دولة عمياء.. لن يؤدى إلا إلى ترقيع الدستور
والقبول بدولة «نص العمى» لوقت قصير سرعان ما تتحول بعده إلى دولة «العمى كله»!