07.26.2013
خالد البرى
١
وصلت إلى العراق يوم ٢٩ مارس ٢٠٠٤، بعد سنة من الغزو الأمريكى، قادما من الكويت فى سيارة،
أى على الطريق البرى، وخرجت منه بعد شهرين فى طائرة حربية.
وقد حدث ما هو أسوأ من حرب أهلية. فى الحرب الأهلية تتمترس قوات هنا وقوات هناك.
تردع. وتهاجم. وتدافع. أما ما حدث فى العراق فكان قتلا «جبانًا» على الهوية.
أو قتلا عشوائيا. ثم فى اليوم التالى مانشيت فى قناة «الجزيرة» عن عملية جديدة للمقاومة
تثبت تدهور الوضع الأمنى، وفشل الحكومة فى الحفاظ عليه.
هوب هوب هوب. تتحول الحادثة المستهجَنة، التى سبّ كل العراقيين فاعلها فى الأسبوع الأول
إلى واقع، إلى شىء سيئ عادى، كتأخر المواصلات وزحامها اليومى. لماذا؟ لأن أناسا
وقنوات إعلامية خلطت للناس بين المقاومة والإرهاب، أو بين القوى السياسية والميليشيات.
بين الدفاع عن البلد وإحراق البلد.
٢
بعد قتل السياسى السنى رفيق الحريرى، أكثر السياسيين اللبنانيين ارتباطا بمشاريع الإعمار،
والتنمية، والاستثمار، انقسم لبنان. حزب الله وطائفته فى ناحية. وباقى الشعب فى ناحية.
كان الغضب عنيفا، إلى درجة أنه نجح خلال شهرين فى إخراج الجيش السورى من لبنان.
وانكشف حزب الله بوصفه حليف القتلة. صحيح أنه يملك ثلث الشعب فى جيبه، لكنه فى النهاية
حزب طائفة، ليس له امتدادات خارجها. على عكس التيار المنافس وقتها، تيار «١٤ آذار»،
الذى كانت له امتدادات سُنّية ومسيحية وفى النخبة الشيعية. وكان النظر، مجرد النظر،
إلى تظاهرات هؤلاء وهؤلاء، يبين الفرق. ببساطة مظاهرات «١٤ آذار» ملونة.
ومظاهرات حزب الله مظاهرات سوداء، بمجرد أن تنظرى إلى التليفزيون ترينها سوداء.
بالتالى، كان المعسكر الميليشياوى فى حاجة ماسة إلى امتدادات تلون تظاهراتهم.
وقد وجدوا هذه الامتدادات فى السياسى المارونى ميشيل عون. اعتبروه صديق المقاومة
وأعطوه ختم الرضا الإلهى بعد طول سخط. الصنف الآخر الذى وجدوا فيه امتدادات هو اليسار القديم.
المماحين بتوع «أنصر حزب الله وأشرب كاس».
لقد قدّم هؤلاء لحزب الله أكبر خدمة. «الغلوشة» على القتل.
فى أثناء عودتى من مدينة طرابلس فى شمال لبنان سمعنا خبر مقتل النائب السنى وليد عيدو،
مع نجله، فى انفجار استهدف سيارته. انفتح الهواء على غرفة الأخبار فى قناة «NBN»
دون أن تنتبه المذيعة «السافرة»، العالمانية، التى تتبنى خط صاحب المحطة نبيه برى
زعيم حركة أمل (ورئيس البرلمان الذى اغتيل واحد من نوابه المنتخبين، يا للسخرية!).
انفتح الهواء وكانت المذيعة تهنئ زميلها باغتيال وليد عيدو، وتتمنى الدور على البقية.
العاهر والعاهرة يعلمان منذ الأزل أنهما عاهران. يعلمان أن حزب الله هو الذى يقتل خصومه السياسيين
أو يكلف أحد حلفائه. وأنه إرهابى. لكنهما يرتديان قناع الإنسانية بمجرد أن يخرجا إلى الهواء.
٣
أنا أعلم أن عاصم عبد الماجد إرهابى، قتل ١٢٨ ضابطَ وجندىَّ أمن فى أسيوط،
وسمعت محمد البلتاجى بأذنى ورأيته بعينى وهو ينذرنا بأن الهجمات على الجيش والشرطة
فى سيناء لن تتوقف إلا بعودة محمد مرسى. وسمعتهم يهددون بنموذج سوريا،
وينذرون بانشقاقات فى صفوف الجيش. وأعرف أن قناة «الجزيرة» أعانت القتلة فى العراق
ولبنان بنفس الأسلوب، ولا تنطلى علىَّ الحيل. ولست من الصفاقة بحيث أغطى على القتل
بادعاءات أننى إنسانى أكثر من غيرى. لأننى أعلم أن تحييد الجيش فى هذه اللحظة،
تحت أى دعوى، معناه انتصار الإرهاب.
هل لدىّ مخاوف؟ نعم. فى النزول -تفويضاً للجيش- مخاوف. لكنّ فى عدم النزول كابوسا محقَّقًا.
عشته قبل ذلك كما أشرت أعلاه بمنتهى منتهى الاختصار. لم أحكِ عن جثث الأطفال ولعبهم
التى شاهدتها فى انفجار بحى الدورة فى بغداد، ولا عن استهداف الأكاديميين والعلماء لتصفية البلد.
لذلك سأفعل ما استطعت لكى لا أعيش نفس الكابوس هنا، ولكى لا يعيشه بلدى، بمنتهى الأنانية،
ودون أى شعارات سامية. ما «الحياة» يا صفية؟ الحياة أن نحمى أنفسنا
بقدر الإمكان من الموت. ونحاول أن نحسِّنها.
إن كان البلتاجى والعريان وعاصم عبد الماجد يهددوننا بالموت من فوق منصة رابعة،
فالخيار بالنسبة إلىَّ محسوم. والخيار بالنسبة إليهم مفتوح. تخشون تغوُّل الجيش؟!
حسنا. توقفوا عن إرهابنا، تَخلَّوا عن الميليشيات المسلحة، وفوِّتوا عليه الفرصة.