07.31.2013
د . عماد جــــاد
التقت السيدة كاترين آشتون الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى بالرئيس المعزول محمد مرسى
على مدار ساعتين كاملتين، وحسبما أعلنت وسائل الإعلام فإن اللقاء بدأ فى منتصف الليل،
وأن السيدة آشتون ذهبت إلى المعزول بطائرة هليكوبتر وفى صحبة عدد من العسكريين المصريين.
وذكرت وسائل الإعلام أن مرسى طلب منها الضغط على الجيش لإعادته إلى منصبه
باعتباره الرئيس الشرعى، وأنها لا بد أن تبذل جهدها لإنهاء «الانقلاب العسكرى» الذى وقع ضده،
مكررا أنه الرئيس الشرعى للبلاد. ووفق وسائل الإعلام، والتى يبدو أنها اعتمدت على مصادر تابعت اللقاء،
فإن السيدة آشتون أبلغت مرسى بأن مسألة عودته إلى منصبه هذه باتت مستحيلة،
وأن ما وقع ضده ليس انقلابا عسكريا، بل ثورة شعبية، وأن غاية ما يمكنها فعله هو التحدث مع النظام القائم
فى مصر للإسراع بتقديمه إلى القضاء المصرى حتى يبت فى أمره.
وقد أجمعت وسائل الإعلام التى تناولت اللقاء على أن مرسى أصيب بحالة إحباط شديد
فقد كان يعوِّل مع الجماعة على دور دولى (أمريكى بالأساس) للعودة إلى كرسى الرئاسة، وأن ما قالته
له آشتون يعنى أنه لن يعود مرة أخرى إلى كرسى الرئاسة، ومن ثم وجب عليه التسليم بالأمر الواقع
والاقرار بأن ما وقع ضده هو ثورة شعبية وليس انقلابا عسكريا.
تعددت ردود الفعل فى المجتمع المصرى حول خبر اللقاء وما دار فيه، هناك من رأى أن الزيارة
فى حد ذاتها تمثل تدخلا أوروبيا فى الشأن المصرى الداخلى، ما كان لقادة البلاد فى هذ المرحلة
أن يقبلوا بها، وأن الزيارة تمثل دليلا على ضعف ووهن النظام الحالى، وأنها يمكن أن تكون مقدمة
لسلسلة تنازلات من النظام القائم لا يمكن التكهن بالحدود التى يمكن أن تصل إليها.
باختصار خشى أصحاب هذا الرأى من أن تكون موافقة النظام القائم على لقاء آشتون بمرسى بداية للرضوخ
للضغوط الخارجية من أمريكية وأوروبية مع خوف من المدى الذى يمكن أن تذهب إليه هذه الضغوط.
وهناك من رأى اللقاء فى إطار لعبة التوازنات السياسية التى لا بد من التعامل معها بقدر كبير من
الواقعية السياسية، وأن موافقة النظام القائم للممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية على لقاء مرسى
هى موافقة محسوبة سياسيا دون أن تعنى تراجعا فى الموقف أو تغييرا فى التوجه من قِبل النظام القائم.
وفى تقديرى أن لقاء آشتون بمرسى جاء محصلة ضغوط وضغوط مقابلة من أطراف دولية عديدة بتحريض
من الولايات المتحدة الأمريكية، فمرسى وجماعته كانوا يمثلون رصيدا استراتيجيا للسياسة الأمريكية
فى المنطقة، وسقوط مرسى ومرشده وجماعته مثل ضربة قاصمة للسياسة الأمريكية فى المنطقة،
وأثار حالة من الهياج لدى البيت الأبيض ووزارة الخارجية عبرت عنه بغشم السفيرة الأمريكية فى القاهرة
آن باترسون. تلك السيدة التى أقدمت على تصرفات لا يقدم عليها دبلوماسى عادى، مثل عقد لقاءات
مع قادة الجماعة لحثهم على حشد الأنصار ومقاومة الدولة، تتبع خطى قادة الجماعة
والتنسيق معهم حتى بعد سقوط مرسى.
المؤكد أن التصرفات الهوجاء التى أقدمت عليها باترسون كانت نتيجة منطقية لحالة التخبط الشديد
التى أصابت الإدارة الأمريكية بعد سقوط مرسى والجماعة. حاولت الإدارة مقاومة ثورة الثلاثين من يونيو
والتحرك مع الجناح الأوروبى السالك فى دروب السياسة الأمريكية لإعلان ما جرى بأنه انقلاب عسكرى
مع كل ما يترتب عليه من عقوبات على مصر، وجاء تجاوب المصريين
مع دعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسى للخروج يوم السادس والعشرين من يوليو،
لينهى هذه المغامرة الأمريكية فقد أقرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بذلك بوضوح عندما قالت
فى نفس اليوم «أصوات المصريين فى الشوارع منعتْنا من وصف ما جرى بأنه انقلاب عسكرى»
وبعث بها الرئيس الأمريكى باراك أوباما برسالة إلى الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور
فى خطوة تنهى الجدل حول الموقف الأمريكى مما جرى.
فى نفس الوقت كان مرسى والجماعة يراهنون على الدور الأمريكى بالأساس للعودة إلى السلطة،
ويشحنون الأهل والعشيرة فى الشوارع بهدف إعادة مرسى إلى منصب الرئيس، وكانت عيونهم
تتطلع إلى واشنطن، ومن ثم كان مُهما لقاء مسؤول غربى مع مرسى لتوصيل رسالة له ولعشيرته
بأن واشنطن لا تبيع حلفاءها، ورسالة ثانية مؤداها ضرورة التسليم بما جرى وإعادة ترتيب الأوراق من جديد
استعدادا لاستحقاقات قادمة. وفى تقديرى أن الإدارة القائمة فى البلاد حاليا وجدت أن ضرورات الواقع
تقتضى السماح لمسؤول غربى بلقاء مرسى، وربما تكون قدرت أن لا يكون أمريكيا، لا مساعد
وزير الخارجية الأمريكى ولا السفيرة باترسون. ومن هنا جاءت الموافقة على أن يمنح هذا التصريح
للمثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى، الذى لا يتحرك تجاه المنطقة تحديدا خارج إطار الحدود
المسموح بها أمريكيا، والتى تراعى بشدة من قِبل الإنجليزية آشتون. لكل ذلك أحسب أن قرار السماح
لآشتون بلقاء مرسى هو قرار محسوب بدقة من جانب النظام القائم فى البلاد حاليا، ولا يمثل تراجعا
فى الموقف ولا رضوخا لضغوط دولية بقدر ما جاء محصلة حسابات مركبة تعكس قدرة النظام القائم
على إدارة ملف العلاقات مع واشنطن والغرب، فى ضوء ما جرى من ضربة موجعة
للاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة.