08.03.2013
أشرف توفيق
الشعب قادر على حشد نفسه بمجرد شعوره أن حقه يُنهب وأن كرامته تُهان
يظن بعض المسلمين اليوم أن إسلامهم يعصمهم من الدروس الربانية التى من الممكن
أن يختبرهم الله بها، ومن الابتلاء فى دينهم ودنياهم لقصور وضعف منهم فى تطبيق روح هذا الدين،
ويعتقدون أن مجرد نزولهم تحت راية الإسلام ونبيه محمد هو صك الاعتراف بفضلهم
وبنصرهم القادم من الله، وكأنهم لم يقرؤوا عن غزوة حنين قط.
ويقول العلماء إن غزوة حنين كانت الوجه الآخر لغزوة بدر، ففى غزوة بدر أراد الله أن يثبت للمسلمين
أن عددهم القليل ليس معوقًا للنصر ما دام الإيمان بالله وبقدرته والاتكال عليه راسخًا فى القلوب،
وتأتى غزوة حنين لتبين لهم أن عددهم المهول ليس سبيلًا للنصر ما دام الله قد تخلى عنهم..
ففى كل الحالات تصبح إرادة الله للنصر أو الهزيمة هى المحرك الأول والأوحد للأحداث.
فى حنين يفرح المسلمون بكثرتهم، فلأول مرة يصل عدد المسلمين المجاهدين إلى اثنى عشر ألفًا،
ويقولون بتفاخر: «لن نغلب اليوم عن قلة».. أخطأ المسلمون
وظنوا أن عددهم سيحميهم من مكر الله، ولذا كان لا بد من درس ربانى سريع يعيدهم إلى صوابهم،
فتنزل عليهم سهام العدو من كل حدب وصوب ويتقهقر المسلمون، ويثبت النبى وحده ومعه قليل
من الصحابة الأبطال، ويظل رسول الله يصرخ ليجمع صحبه: «أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب»،
يعود المسلمون بعد أن عرفوا خطأهم، وبعد أن بايعوا رسول الله على أنفسهم من جديد،
وتبرؤوا من غرور الكثرة، وينتصر المسلمون.
هؤلاء كانوا صحابة رسول الله الذين لا يمكن المزايدة على إيمانهم وصدق سريرتهم وعزمهم
على نشر دين الله وامتثالهم للحق، ومعهم رسول الله نفسه، ومع ذلك لم يكن هناك بد من هذا الدرس
ليعود الكل إلى صوابه، ويعيد التفكير فى حسن ظنه بالله والتوكل عليه مع الأخذ بالأسباب
والتيقن من أن الجهاد فى سبيل الله لا من أجل التفاخر والغلبة.
اليوم ستجد كل الأطراف تصرخ بأن الحق معها، وأن الله ناصرها، وأن ما سواها هو الباطل،
وأن كل ما يجرى لها من أحداث إنما هو من قبيل رضى الله عنهم ونصر الله لهم،
فإذا أمطرت السماء عليهم فهذا تأييد من الله لهم بمطر الرحمة، وإذا سلطت عليهم الشمس لهيبها
فهذا تأييد من الله لهم بشعاع الصحة الذى يقوى عزيمتهم.. ولا يعلم هؤلاء أنه حتى المؤمنين
من الممكن أن يكونوا على خطأ، ومن الممكن أن يعكر صفو نياتهم وإيمانهم شوائب
غرور الغلبة والكثرة والرغبة فى النصر الدنيوى ليس إلا.
ولن تجد مثالًا أوضح لهذه الفكرة من مسألة المليونيات.. إنها معركة بالفعل، ينزل كل فصيل سياسى
إلى ميدان، وبعد أن تمتلئ الميادين، يبدأ الفاصل الكوميدى «إحنا أكتر منهم»..
وبدلا من أن يراجع كل منهم موقفه ونيته من الخروج، ويدرس بعقل وحكمة سبب التجمع والحشد،
يكتفى بفتح مواقع التواصل الاجتماعى و«جوجل إيرث»، ويبدأ فى متابعة المقارنات والرسوم التوضيحية
بين سعة الميادين مع حساب الشوارع الجانبية، وينتشى فرحًا عندما يعلم أن حشده هو الأكثر عددًا،
ويرقص طربًا عندما يقتنع كذبًا بغلبته السياسية، وشيئًا فشيئًا تتأصل لديه فكرة أن النصر بالحشد،
واللى يجيب ناس أكتر هوه اللى يفوز، وهو بصورة أو بأخرى
نفس فكرة المسلمين فى حنين «لن نغلب اليوم عن قلة».
كانت جماعة الإخوان المسلمين تنفخ فى آذاننا منذ سنين بأنها الوحيدة القادرة على حشد الناس فى الميادين،
وفى الانتخابات، وبعد فترة اكتشفنا وهم هذه الكذبة، وأن هذا الشعب قادر على حشد نفسه
بمجرد شعوره أن حقه ينهب، وأن كرامته تهان، وأن ظروفه الاقتصادية فى خطر،
لكننا استخدمنا كثيرًا من هذه المليونيات بغرض التعبير عن الغلبة والكثرة ليس إلا،
وصارت فرحتنا بالكثرة أقوى من فرحتنا بتحقيق المطالب، ونسينا فى غمرة زهونا بالعدد
أن النصر يكون لمن يطالب بالحق والعدل والحرية والمساواة مهما كان عدده،
أما تحقيق هذا النصر فدائمًا بيد الله وحده.