الأئمة المقصودون هم
زيد بن زين العابدين، وجعفر الصادق، وأبو حنيفة النعمان، ومالك بن أنس،
والليث بن سعد، والشافعى، وأحمد بن حنبل، وابن حزم، والعز بن عبد السلام.
أما زيد، فلقَّبه الشرقاوى بـ«الفقيه الفارس»،
الذى شَبَّ بينما كان هناك من يرى أن مرتكب الكبيرة مخلَّد فى العذاب،
وآخرون يقولون إن مرتكب الكبيرة منافق يُظهِر غير ما يبطن،
بينما رأى آخرون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، وأن مرتكب الكبيرة يُرجأ إلى أن يحاسبه الله،
وقد أغرى هذا الرأى بعض الناس باقتراف الكبائر، ولكن الإمام زيد رأى أن اقتراف الكبيرة
منزلة بين الكفر والإيمان، ويسمَّى مرتكبها فاسقا، وهو مسلم لا كافر، ولكنه ليس مؤمنا،
لأن المؤمن ولىّ الله ومرتكب الكبيرة يعصى الله، إذن هو عاصٍ، ولكن لا يخلده الله فى العذاب.
كان الإمام زيد يدعو فى هذه كله إلى إعمال العقل، ولم تمهله سهام عسكر الأمويين،
وخليفتهم هشام بن عبد الملك بن مروان، حتى يقيم مشروعه الفكرى الفقهى المعتدل،
فقضى شهيدا مثل جده الحسين بن علِى، ويقال إن الأمويين نبشوا قبره،
ومثّلوا بجثمانه وصلبوه على جذع نخلة.
الإمام الثانى هو جعفر الصادق، أحد أئمة الشيعة الاثنى عشرية، الذين لم يُجمع الناس على حب أحد
فى عصره كما أجمعوا عليه. سمع الصادق طوال طفولته لعنات أجداده الإمام علِى وزوجته فاطمة الزهراء
وولديهما الحسن والحسين على المنابر، حتى جاء الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز،
فتبرأ إلى الله من هذا العار الذى لحق بالدولة الأموية كلها، فطابت نفس الصادق
مثلما طابت نفوس الصالحين وأهل التقوى والعلم بما صنعه بن عبد العزيز.
الصادق آمن بالتجربة والنظر العقلى والجدل طريقا إلى الإيمان، وسلاحه معرفته الواسعة العميقة بالعلوم
فى الاستدلال والإقناع، وجذب أصحاب العقول المبتكرة إلى الدين. حاول أقاربه أن يقحموا عليه السياسة،
فدعوه إلى الثورة على الدولة الأموية، واجتمعت عليه الألسنة ليتولى أمر الخلافة،
فرفض وصرفهم عما هم طالبون.
أما الإمام أبى حنيفة النعمان، فالبعض غالَى فى تقديره له حتى زعم أنه أوتى الحكمة كلها،
وأنه يتلقى علمه عن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، بينما اشتطّ الآخرون فى كراهيته،
واتهموه بالمروق عن الدين، وبالإلحاد والزندقة، وباستيراد المبادئ الهدامة من الديانات الوثنية،
ومن عُبَّاد النار، بينما قال عنه آخرون، إنه مجوسى مدسوس على الإسلام ليحدث خرقا فيه.
الإمام الرابع هو مالك بن أنس، وهو من أشهر أئمة الحديث، وعلى الرغم من كثرة الأحاديث التى حفظها،
فإنه لم يكن يحدِّث بها جميعا، وكان حريصا على الانتقاء منها، بل ويتحرج فى الفتوى،
إلا بنص قطعى. بعض الناس عاتبوه على اهتمامه الفائق بأثاث بيته وبملبسه،
فعاش مستمتعا بزينة الحياة الدنيا، نائيا بنفسه عن السياسة، وأفتى بوجوب طاعة الحاكم،
حتى وإن كان ظالما. جمع مالك أحاديثه فى كتاب سماه «الموطأ»،
فأراد خليفة المسلمين آنذلك هارون الرشيد تعليقه فى الكعبة لكن صاحب الكتاب رفض.
أما الإمام الليث بن سعد، فقيه أهل مصر والنوبة، فأتقن منذ صغره اللغتين «العربية، والقبطية»،
نشأ فى أسرة ميسورة، لدرجة أنه كان يصل الإمام مالك بمئة دينار سنويا،
ويقال إنه كلما سمع عن فقيه شد الرحال إليه. اشتهر الليث بحسن الرأى ونفاذ البصيرة،
وبتفسير القرآن بروح النصوص، دون الوقوف عند الظاهر،
وهو ما أغضب المتعصبين المتشددين منه.
الشرقاوى أورد فى صفحات كتابه الباقية، حكايات عن الإمام الشافعى الذى سماه أهل مصر «قاضى الشريعة»،
وظنوا أنه سوف يحيى علم إمامهم الليث بن سعد الراحل. جاء الرجل إلى مصر ملتزما بأصول الشريعة
واستنباط الأحكام من النصوص القرآنية والحديثية الثابتة، إلا أن حياته بمصر طالعته بفقه جديد،
فبدأ يعيد النظر فى كثير من آرائه، وبصفة خاصة، تلك التى اتبع فيها أستاذه الإمام مالك.
انحاز الشافعى إلى أهل الحديث فى البداية، وخاصم أهل الرأى،
لكنه اهتدى فى ما بعد إلى مذهب وسط بينهما، معتمدا على استيعاب يقظ لروح الشريعة ومقاصدها.
الشافعى خالف الإمام مالك، فاصطدم كثيرا بالحمقى والمتعصبين فى مصر الذين تربصوا به فى أحد الأيام،
وانقضّوا عليه ضربًا بالهراوات، ونقله تلاميذه إلى البيت، ولم يسعفه العلاج، فأرسل إلى السيدة نفيسة،
يسألها الدعاء، كما تعوَّد، فقالت لرسول الإمام «أحسن الله لقاءه ومتّعه بالنظر إليه»،
فعلم الشافعى أنها النهاية.
سابع الأئمة هو أحمد بن حنبل، الذى أطلق عليه الشرقاوى، اسم «الإمام المفترَى عليه»،
لأنه وبعد مماته ابتُلِى ببعض أتباعه نسبوا إليه ما لم يقل وما لم يصنع، مسرفون فى تشددهم على الناس،
يغيّرون بأيديهم ما يحسبونه بدعة، أو منكرا، وهو عكس ما ظهر من الإمام أحمد،
فما كان متعصبا لرأى، وما كان فظًّا أو غليظ القلب، وما كان ضيّق الأفق
أو جامد الفكر، بل كان يجادل بالتى هى أحسن دائما.
بينما كان الإمام ابن حزم الظاهرى، ليّن الطبع وعذب النفس، فيقول الشرقاوى عنه
«إن تاريخ الفقه لم يعرف من قبله رجلا كتب فى الحب وأحوال العشاق بمثل هذه الرقة والعذوبة والصراحة».
أما الإمام العز بن عبد السلام، فهو شافعىّ المذهب، أشعرىّ العقيدة، ملقّب بسلطان العلماء وبائع الملوك
والأمراء. كان ذا شخصية قوية، وكان فى مظهره من الملبس متواضعا،
وكان لا يتأنق ليزيف عن نفسه، ولا ليكذب فى الحشمة، ولا يستألف الوقار.