سأعرض عليك هذه القصة المسلية من قصص الخيال العلمى الكلاسية، وتدعى (الدائرة).
أعتقد أن المؤلف يدعى فكتور كوماروف، وهى قصة تذكرك نوعا بفيلم (يوم جرذ الأرض) الأمريكى
أو (ألف مبروك) فيلم أحمد حلمى المقتبس منه، كما انها تذكرك بحالنا كثيرا.
ستانلى عالم فيزيائى يبتكر طريقة تعيد الزمن القهقرى..
بوسعك بجهاز الكرونوسكوب أن تعود للماضى لمدة ساعتين فقط..
وهاتين الساعتين تتيحان لك تصحيح ما اقترفت من اخطاء.
إن زوجته الجميلة الشابة جلين غير مقتنعة تماما بأهمية اختراع كهذا..
بل ترى انه من المستحيل أن يستعيد المرء الماضى.
ما حدث أنه نجح فعلا فى صنع هذا الاختراع. لقد اخترق الحاجز فعلا.
يقرر وزوجته قضاء وقت للنزهة فى متنزه قريب.. هناك جسر صغير من أخشاب متداعية
يعبر فةق هاوية مخيفة. طلبت الزوجة فى حماس أن يلتقط لها ستانلى لقطة وهى فوق ذلك الجسر.
هزت خصلات شعرها الأشقر وركضت كطفلة لاهية فوق الخشب..
هنا دوى صوت الخشب إذ ينهار.. صرخت فى هلع. فى اللحظة التالية تشبثت بيديها إلى حافة الهاوية،
فألقى ستانلى الكاميرا وركض لينقذها.. صرخ وهو يزحف فوق الشريحة الخشبية الباقية من الجسر:
ـ»مدى يدك لى يا جلين !»
لكن أصابعها انزلقت فوق قطعة الخشب، لحظة ثم سقطت فى الهاوية وهى تصرخ تلك الصرخة المتلاشية
التى تختفى مع الوقت. ورقة مصفرة ذابلة تتدلى من شجرة عتيقة سقطت فى الهاوية معها.
رقد ستانلى حيث هو وقد فتح فاه فى ذهول.
فى لحظة ضاعت زوجته الجميلة للأبد... وفجأة خطرت له العبارة الشهيرة: ليتنى لم أسمح لها بأن.....
لكن لحظة !.. يمكنه بالفعل ألا يسمح لها بأن...... يمكنه أن يعود لساعتين مضيا.
إنه البشرى الوحيد الذى يملك الكرونوسكوب. هرع يركض نحو سيارته وتعثر فوق الأشواك والصخور
ثم ركب وانطلق.. إن ساعة ونصف ساعة تفصلانه عن البيت. لأول مرة يقود السيارة بهذه السرعة الجنونية
وهو السائق الحذر. كانت هناك صعوبات بالغة.. من الممنوع أن تغير الماضى..
هذا يؤدى لتداعيات مخيفة فى الحاضر، كما انه من المخاطرة أن تحاول إعادة إحياء شخص مات فعلا.
الكرونوسكوب ليس آلة زمن.. بل هو وسيلة تعيد الزمن نفسه للوراء ساعتين.
معنى هذا أن تغيير الماضى وارد. بدأ تشغيل الجهاز وهو يلهث.. وراحت وحدة إعادة الزمن تعمل بلا توقف.
لقد عادت اللحظات إلى المتنزه وإلى جلين عندما كانت حية تضحك وتلعب..
سوف يكون حازما ويمنعها... قالت له فى مرح:
ـ»التقط لى صورة فوق هذا الجسر يا ستانلى!»
ثم هرعت فوق الجسر قبل أن يستطيع الاعتراض أو منعها. ورأى نفسه يرفع الكاميرا ثم تداعى الجسر
وصرخت وسقطت فى الهاوية. كل خلاياه كانت تحاول منعه لكنه يتصرف بالضبط كما تصرف فى المرة الأولى..
من جديد ركض نحو السيارة للبيت وشغل الجهاز..
الزوجة تصيح: «التقط لى صورة» ثم تركض فوق الجسر.. الصراخ.. الورقة الصفراء تسقط...
لقد تكرر المشهد الأليم خمس مرات.
كيف لم يفكر فى هذا؟.. عندما أعاد احداث الساعتين كان من ضمن ما يتم إعادته عملية تشغيل الكرونوسكوب نفسه !.
هكذا دخل حلقة مفرغة أبدية.. سوف يرى مشهد موت جلين للأبد ولا يقدر على الخروج.
وهذا معناه كذلك انها تموت مئات المرات.. تموت للأبد !
لقد كتب عليه أن يظل للأبد بين الثانية عشرة والثانية بعد الظهر !.
لكنه لاحظ بعين الفيزيائى الحساسة أن ورقة الشجر المصفرة لم تسقط فى ذات الموضع كما فى المرة الأولى..
موضع سقوطها يتغير فى كل مرة. إن قوانين الاحتمالات تتحكم فى العالم ولو انك فجرت بناية
وأعدت الزمن للوراء فلن تتكون ذات البناية بذات الشكل. بدأ يلاحظ أن هناك اختلافات دقيقة جدا بين مرة واخرى
بل إن الأفكار التى تتوالد فى ذهنه لا تتوالد بنفس الشكل فى كل مرة.. هذه هى الدورة العشرون.
معنى هذا أنه لم يسترح ولم يأكل منذ أربعين ساعة. لكن عليه أن يحاول إحداث تغيير طفيف فى كل مرة.
يكسب وقتا يمكنه من كسر هذه الدورة الجهنمية. آلة التصوير !.. يجب أن يتخلص من آلة التصوير.
هذا سيجعل جلين تندهش ولا تتجه للجسر.. بل هى توقفت لتلومه على خرقه،
وهكذا استطاع أن ينتزعها من يدها ويركض معها وهى لا تفهم شيئا، نحو السيارة بعيدا عن الجسر !..
لقد نجح ! لكن الدورة مستمرة وسوف يقوم بتشغيل الجهاز اللعين للمرة الثلاثين..
لهذا عندما اقتحم المختبر مع جلين تناول أداة هشم بها الجهاز تماما فتصاعد الدخان الأزرق والوميض،
ثم عاد الزمن إلى انتظامه الهادئ القديم !.. لقد كسر الدورة اللعينة.