هل جربت أن تنزل لتشترى لأبنائك مجلة أطفال؟؟!!
دعنى أصدمك وأقل لك إن مصر الآن ليس فيها مجلة أطفال مصرية خالصة بهوية مصرية حقيقية،
اللهم إلا مجلة محدودة الإمكانات مثل «قطر الندى» التى تصدر عن هيئة قصور الثقافة بصورة شبه دورية،
ولا يعرفها أحد تقريباً، وأطلال مجلة كمجلة «سمير» العظيمة التى اندثرت على أيدى إدارتها السيئة
فى السنوات العشر الأخيرة، وتكاد تكون لا تصدر بعد أن كانت توزع فى الستينات أكثر من مائتى ألف نسخة،
ليصبح توزيعها الفعلى الآن أقل من ألف نسخة شهرياً!!
مجلة سمير التى ربت أجيالاً، وكان يكتب فيها عظماء الأدب والفكر والثقافة، والتى احتلت صورة مكانة عظيمة
فى قلوبنا وكان أهلنا يقولون لنا إن أردت أن تتسلى، فعليك بـ«ميكى»، بينما إن أردت أن تتثقف وتتعلم
وتصبح إنساناً، فعليك بمجلة «سمير» برسومها المصرية الخالصة، وأبوابها التى تتحدث فى كل شىء،
وتبنى جيلاً محترماً واعياً، وتخصص إحدى مؤسسيها ماما لبنى، رحمها الله، باباً لصحفى ناشئ يعلم الأطفال
مبادئ الصحافة المحترمة وينشر أعمالهم بصورهم على صفحات مجلة لتصير ذكرى هى الأجمل عند هؤلاء
الذين تعلموا الكثير فى دار الهلال، مجلة سمير، مجلة سمير خلاص.. بح.. مفيش.. انساها.
حضرتك ستحدثنى عن «ميكى» التى ما زلت أنت مولعاً بها رغم أن طعمها اختلف باختلاف المترجمين،
لكنى أحدثك عن مجلات الأطفال المصرية الخالصة، وربما تقاوح سعادتك لتحدثنى عن «علاء الدين»
لأفاجئك وأقول لك إن سياستها تغيرت وأصبحت تصدر «شهرياً» بدلاً من «أسبوعياً»،
ولم تعد للأطفال وإنما للمراهقين، ليذهب تاريخك مع هذه المجلة الممتعة بكتاباتها المحترمة
لعمالقة من جيل مختلف أدراج الرياح.
لن تجد مجلة أطفال مصرية خالصة، لكن ربما ستتذكر جهود عمر طاهر فى باب وجبة المفرحة،
والذى توقف عن كتابته، وكفاح سماح أبوبكر عزت للاستمرار فى تقديم باب أسبوعى للأطفال فى «الوطن»،
وربما ستكتشف أن مجلات الأطفال الوحيدة التى ما زالت تصدر باستمرار هى مجلتا «ماجد» الإماراتية
والتى يحرر معظمها ويرسمها مصريون و«العربى الصغير» الكويتية والتى يشارك فى تحريرها
وكتابتها ورسمها -بعد أن شاركوا فى تأسيسها- مصريون.
دعنى أصدمك أكثر وأكثر وأكثر لأقول لك إن أغلى أسعار كتب هى أسعار كتب الأطفال،
وإن أغلب دور النشر المصرية الكبيرة التى أصدرت كتباً ممولة من المعونة الأمريكية، أصدرتها مترجمة
ومعربة عن قصص عالمية وكتابات أجنبية بدلاً من أن تكتشف جيلاً جديداً من الكتاب، وحتى كتبهم العربية المصرية
صارت حكراً لأسماء بعينها، أغلبهم تعدوا الستين والسبعين عاماً ولا يزالون يكتبون للأطفال.
لن تجد حتى برامج أطفال مهمة أو محترمة أو حتى من الطراز التقليدى القديم على شاشات التليفزيون المصرى،
والوحيدة المستمرة فى الإذاعة هى أبلة فضيلة، وحتى عيد الطفولة وأوبريتات وأغانى الأطفال ذهبت إلى غير رجعة،
وحتى مشروع القراءة للجميع الذى كان يمثل أساساً قوياً فى ثقافة كثيرين من الجيل الذى أنتمى إليه بإصداراته الرائعة،
لم يعد بالقوة ولا بالزخم ولا بالاهتمام الذى كان يولى إليه.
والآن يسعدنى أن أختم المقال بصدمة كبيرة مهما حاولت الهروب منها وعدم الاعتراف بها ستكتشف أنها الحقيقة.
مشروعات الأطفال فى هذا البلد لم تشهد اهتماماً حقيقياً إلا بقرارات فوقية وسيادية،
وكان آخر من اهتم بها سيدة قد تكرهها أو تكره سماع اسمها، وقد تربطها بالسياسة وفق كثير مما سمعته
وقرأته دون التيقن من صحته، لكن الحقيقة هى أن السيدة الوحيدة التى رعت مشروع الطفل فى مصر خلال
الثلاثين عاماً الأخيرة اسمها سوزان ثابت، الشهيرة بسوزان مبارك.
ألف رحمة ونور على الطفل فى بلدنا والذى شال الهم بدرى وصار أكبر منا جميعاً
ونسيه الجميع فى زحمة الخناقة الكبيرة التي -غالباً- لن تنتهى.