خالد البرى
الخدعة التى يستنزف فيها أهل الماضى حياتك هى استدراجك إلى الجدل حول نمط حياتهم..
يا ترى عظيم أوى ولّا عظيم أوى وممكن يبقى أعظم؟
انتبهى إلى المصيدة.
النقاش المُجدى يكون حول أمور قابلة للتغيير. الرأى طبعا قابل للتغيير.
إنما المشكلة أنك لا تناقشين دُعاة الماضى فى آراء، إنما تناقشينهم فى معتقدات، إما بالأعراف والتقاليد،
وإما بالدين. هذا النقاش فى المعتقد يشبه تغيير ما حدث فى الماضى. وهو -لو مش واخدة بالك- مستحيل.
هتقولى لى: بس فيه ناس بتغيّر رأيها، ليه مانحاولش؟ هردّ عليكى بنقطتين.
أولا: فيه واحد فى الألف بيغيّروا رأيهم، ودا يخلّى الجدوَى النفعية للنقاش ضعيفة جدا.
ليه تبذلى مجهودا كبيرا فى حاجة نسبة نجاحها واحد فى الألف. ليه تدوَّرى فى ١٠٠ كومة قش علشان تلاقى فَصّ فضة.
يا ستى بناقص. لو نفس المجهود دا عملتيه فى حاجة مفيدة كنتى هتشترى ١٠ خواتم.
ولو رُبع الوقت بتاع الجدل قضيتيه فى الكلام عما تحبين ستجدى مزيدا مما تحبين.
ثانيا: الناس اللى بيغيروا رأيهم نادرا ما بيغيَّروا رأيهم نتيجة «مناظرات» هم طرف فيها.
ممكن يغيَّروا رأيهم نتيجة حاجة جديدة سمعوها فى مناقشة تانى، أو مرَّت عليهم فى خبر،
أو نتيجة خبرة مرَّت بهم، إنما نتيجة «انهزامهم» فى جدل فدا مش وارد. يبقى بدل ما تشغلى نفسك بالجدل
عن «نمط حياتهم» اعملى اللى تقدرى عليه علشان نمط الحياة اللى انتى بتحبيه، احكى عن مباهجه،
عن لحظات السعادة لما بتروحى المكان الفلانى أو بتعملى الحاجة الفلانية. «الأنماط» ليها أجنحة،
بتطير لفوق وتورّى نفسها لناس مش فى بالك، وغالبا المجادلين مش بينهم. أصل اختيار نمط حياة معين يا صديقتى
دا مش عملية فكرية بس. دا عملية نفسية كمان، وطبائعية، واجتماعية. حاجة كده عاملة زى الإنسانة خفيفة الروح،
والإنسانة ثقيلة الظل. يعنى نمط الحياة بيختار ناسه، زى ما همَّا بيختاروه. لما بتتباهِى بنمط حياتك
وماتكونيش منهزمة قصاد عبيد الماضى نمط حياتك بيعلى وبينقِّى ناسه كمان.
هل دا معناه إننا مش مفروض أبدا نجادل حد؟ لأ. بس المفروض مانضيَّعش وقتنا فى الجدل والنصيحة والوعظ،
نستثمر وقتنا فى إن احنا نعمل اللى بنحبه، ونتكلم عنه، ونخلّى النمط المتخلف هو اللى فى مرمَى السهام.
اوعى يوم تقولى «أنا مش كذا» قولى «أنا كذا». إنتى مش مطالَبة تنفى عن نفسك ملايين الصفات الموجودة فى العالم،
لأنك لازم تنشغلى أكتر بعرض الكام مِية صفة اللى فيكى. قادر أوصل الفرق؟!
أهل الماضى موجودون ناحية الماضى، وعاملين دوشة، غرضها إنك تفضلى مشغولة بيهم، باصَّة ناحيتهم،
بتتكلمى معاهم، ومش واخدة بالك إنك وانتى باصّة ناحيتهم بيكون المستقبل ورا ضهرك. انتبهى.
اعملى «للأمام دُرْ»، لفِّى، خلِّى عينيكى للمستقبل، لقدام، وإديهم ضهرك، ونفَّضى لهم، كل ما هتمشى لقدام
كل ما دَوْشتهم هتقلّ، وحجمهم هيصغر، والدنيا هتفضى وتوسع.. عايزين نلحق ننبسط شوية،
كفاية اللى ضاع من حياتنا فى النكد، ثم فى النقاش مع أهل النكد.