محمود خليل
فى عمر ثورة يناير أشهرٌ شاء الله أن تكون ذات طبيعة خاصة جداً فى مسار تطوّرها. والملاحظ أن شهر نوفمبر
كثيراً ما يكون شهراً فاصلاً فيما شهدته وتشهده الثورة من تفاعلات، فى حين يظل شهر يناير
أكثر الأشهر حسماً فى تاريخها. دعونا ننشغل الآن بشهر نوفمبر ونقرأ دلالاته فى رحلة هذه الثورة.
فقد شهد شهر نوفمبر 2010 انتخابات مجلس الشعب الأخيرة فى عصر المخلوع، التى أسفرت عن استحواذ
مرشحى الحزب الوطنى «المنحل» على مقاعد المجلس، وكان هذا الحدث فاصلاً فى تحديد موقف الشعب
من نظام «المخلوع»، إذ وصل إلى حالة يأس كامل من إصلاحه، وأصبح واضحاً لديه
أن طريق الإصلاح يقتضى الإطاحة بهذا النظام كخطوة أولى.
وفى عام 2011 كان شهر نوفمبر أيضاً شهراً فاصلاً فى تاريخ الثورة،
حين اندلعت أحداث محمد محمود الأولى (الموجة الثانية للثورة) التى طاردت فيها قوات الشرطة والجيش
المتظاهرين فى الشوارع المحيطة بميدان التحرير، خصوصاً شارع محمد محمود، وانتهت وقائعها باستشهاد 70
وإصابة 3200، وتحدثت بعض التقارير الحقوقية عن ارتكاب السلطة العسكرية حينذاك جرائم حرب!
وقد دفعت دماء الشهداء وجراحات المصابين المشير «طنطاوى» رئيس المجلس العسكرى السابق إلى الخروج
وإعلان أن المجلس سوف يجرى الانتخابات الرئاسية، وسوف يسلم الرئاسة
لسلطة مدنية منتخبة فى 30/6/2012.
كان «التحرير» حينذاك خلواً من الإخوان، ولم يحتشد به سوى الثوار، ولم يدفع ثمن دفع المجلس العسكرى
إلى تسليم السلطة سوى الشباب الثورى، لم تنزل الجماعة الميدان ولم تشارك فى الأحداث،
ومع ذلك فقد استفادت استفادة جمة من نتائجها فيما بعد، لأنها كانت متفرغة فى ذلك الوقت لإعداد العدة لخوض انتخابات
مجلس الشعب التى كانت ستبدأ نهاية شهر نوفمبر 2011، ولم تكتف الجماعة بذلك، بل خرجت قياداتها
تبرر قيام الأمن بقتل الثوار، وفقء أعين الشباب على يد «الباشا الجدع»، وتعرية البنات أمام كاميرات التليفزيون،
وسلقت هذه القيادات من نزل فى أحداث محمد محمود بألسنة حداد،
فى حين دافعت دفاعاً مريراً عن المجلس العسكرى ورجاله!
وفى الاحتفال بالذكرى الأولى لأحداث محمد محمود (نوفمبر 2012) شهد الشارع الشهير اشتباكات عنيفة
بين شرطة «المعزول» محمد مرسى والثوار الذين نزلوا مطالبين بالقصاص لشهداء المذبحة الأولى،
فما كان من النظام الإخوانى إلا أن أعمل يد البطش فيمن نزل، وأسفرت المواجهات عن استشهاد
الشاب محمد جابر «جيكا»، وإصابة العشرات بطلقات الرصاص والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع،
وكانت تلك الأحداث إيذاناً ببدء موجة جديدة من موجات ثورة يناير انتهت بالإطاحة بمحمد «مرسى»
فى 30 يونيو (الموجة الثالثة لثورة يناير).
لا يفصلنا اليوم عن ذكرى أحداث محمد محمود سوى بضعة أيام، فهل يكون (نوفمبر 2013) تاريخاً فاصلاً
فى المشهد الراهن، كما سبق وكان شهراً فاصلاً فى الإطاحة بـ«المخلوع» ثم «المجلس العسكرى» ثم «المعزول»؟.