11.26.2013
محمود خليل
فى حلقة متميزة من برنامجه «بهدوء» تناول الإعلامى «عماد الدين أديب» الفرص والتحديات
التى تحيط بفكرة ترشح الفريق «السيسى» للانتخابات. كان من ضمن ما قاله فى هذا السياق أن لديه معلومات
تؤكد أن «السيسى» واعٍ تماماً بأن الملف الاقتصادى هو أهم تحدٍ يواجهه، وأنه ينوى التعامل معه بأسلوب الجرّاح،
وينتوى اتخاذ إجراءات جراحية تضع مصر على طريق النهضة الاقتصادية خلال أربع سنوات.
بعد هذه الحلقة بثمانٍ وأربعين ساعة على وجه التقريب تم بث تسجيل مسرب للفريق «السيسى» يتحدث فيه عن رأيه
فى أساليب معالجة قضايا الأسعار والدعم والمرتبات. أشار فيه إلى أنه من المؤمنين بأن تباع كل سلعة بسعرها الحر دون دعم،
فمثلاً إذا كانت أنبوبة البوتاجاز تتكلف أكثر من ستين جنيها تباع للمستهلك بهذا السعر،
وأكد أنه ضد مليارات الجنيهات التى تذهب لدعم الوقود ورغيف الخبز، وأن الرئيس «السادات» كان الوحيد الذى امتلك الجرأة
على إلغاء الدعم ثم تراجع عنه بعد خروج مظاهرات 18 و19 يناير 1977، أما عن المرتبات
فقال إن هناك دولاً مثل جنوب أفريقيا وجنوب السودان وألمانيا خفضت المرتبات بنسبة وصلت أحياناً إلى 50% ولم يعترض أحد.
أظن أن هذا التسريب لو صح فإنه يظهر الفكر الجراحى الذى يتبناه «السيسى» فى التعامل مع الملف الاقتصادى
والذى لم يضع الإعلامى «عماد الدين أديب» أيدينا عليه. ويجوز لنا القول بأن هناك مدرستين فى التعامل مع هذا الملف
منذ يوليو 1952 وحتى الآن، هما مدرسة «جمال عبدالناصر»، ومدرسة أنور السادات. مدرسة «عبدالناصر»
ارتكزت على الدفاع عن حقوق الفقراء وتمكينهم من العيش الكريم، من منطلق النظر إلى المواطنين كـ«عيال للدولة»،
أما مدرسة «السادات» فهى ببساطة مدرسة صندوق النقد الدولى التى ترى أن حل مشكلة الاقتصاد المصرى لا بد أن تبدأ
من التخلص من الدعم، ودفع «عيال الدولة» إلى الاعتماد على أنفسهم لمواجهة غول الغلاء الناتج عن احتكار رجال الأعمال
للسلع الأساسية التى يحتاج إليها المواطن.
والواضح أن الفريق «السيسى» «ساداتى» النزعة، يؤمن بضرورة التخلص من
الدعم ورفع الأسعار وتخفيض المرتبات، رغم أن السادات -للإنصاف- تراجع عن هذا التوجه، واعتمد سياسات أخرى
أكثر مكراً فى جمع أو تعويض ما يدفعه للمواطنين بطرق أخرى، وهى نفس السُنّة التى سار عليها «المخلوع»!
صوت الفريق «السيسى» وهو يردد هذا الكلام كان مفعماً بالثقة، قد يكون سببها إحساسه بأن قطاعاً كبيراً من المصريين يحبونه،
وهو إحساس فى محله لا جدال فى ذلك، ولأنهم يحبونه فإن بمقدورهم أن يبتلعوا له ما يرى أنه خير لهم،
فيستغنى قطاع كبير منهم عن أنبوبة البوتاجاز التى حين لا يستطيع شراءها بـ«ستين» جنيها
ويرضى بخفض راتبه إلى النصف محبة فى الرجل. والمثل المصرى يقول «حبيبك يبلعلك الزلط».
وقد يكون منبع هذا الإحساس ما يقرأه من كلمات يوجهها إليه من يدعون محبته من الإعلاميين،
وإن استطاع «السيسى» أن يفعلها بـ«المحبة» فحلال عليه.. وحلال أيضاً على الحبايب!