محمد المهدى
منذ ما يقرب من قرن من الزمان، ظهر فى العالم العربى والإسلامى عدد كبير من الحركات الدينية التى انتهجت
منهج الصراع وتبنت ما يمكن أن نسميه «التدين الصراعى»، وفيما يلى مظاهر وعلامات ذلك النوع من التدين:
1- يقوم على فكرة الاستعلاء العقيدى لدى الشخص (أو المجموعة)، فيرى نفسه أفضل من الآخرين وجدير بقيادتهم
والتحكم فى توجهاتهم حتى ولو لم يرضوا بذلك، فهم فى رأيه لا يعرفون ما يصلحهم، بمعنى أنهم فى حالة ضلال.
2- يفترض دائماً أن الآخرين فى حالة رفض وكراهية وتآمر على الدين ومن يمثلونه، أى أنه ثمة مؤامرة محلية
وكونية دائرة طول الوقت (فى وعيه) لاجتثاث الدين ومن آمنوا به.
3- يستشعر هشاشة الدين وضعفه وقابليته للاجتثاث والمحو، ولهذا يكون دائم القلق والخوف على ضياعه.
4- يستشعر مسئوليته الشخصية عن بقاء الدين على الأرض، وأن زواله يعنى زوال الدين، وينسى أن الله سبحانه
تعهد بالحفاظ على الدين (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
5- يستشعر المسئولية نحو دفع الناس للإيمان بالدين حتى ولو قهراً، وينسى أن الله تعالى جعل الأمر اختياراً
(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لست عليهم بمسيطر)، (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).
6- يلجأ للسرية دائماً ليحتمى من الأعداء الكثيرين المتوقعين أو المتوهمين، ويبرر ذلك بأن الأديان فى أغلبها
لجأت للسرية للحفاظ على أتباعها، وينسى أن ذلك كان يحدث لفترة قصيرة جداً (سنوات قليلة)
تكفى فقط لتكوين النواة اللازمة من الأتباع ليحملوا رسالة الدين الأولى.
7- يلجأ للتقيّة، ليناور بها الأعداء المنتشرين فى كل مكان (حسب إدراكه)، فتتشكل حالة ازدواجية فى السلوك
فيخالف ظاهره باطنه ويحدث بذلك حالة ارتباك وعدم مصداقية لكل من يتعامل معه.
8- يسىء الظن ويتشكك فى نوايا الآخر ويعتبره عدواً (ظاهراً أو كامناً) للدين يجب الحذر منه طول الوقت،
ويكون أقرب للتركيبة البارانوية التى لا تثق بأحد.
9- يعيش فى مجموعات مغلقة تتبنى نفس الفكر وتنهج نفس السلوك وتحتمى ببعضها من القهر الخارجى،
ويوظف حالات التهديد أو القهر الخارجى ليحافظ به على تماسك المجموعة وتميزها عما يحيط بها من بشر.
11- يهتم بامتلاك أدوات القوة والسيطرة والتحكم استعداداً لمعارك قادمة ومؤكدة فى وعيه.
12- يتورط فى ممارسات عنف وربما يستمر طول الوقت فى سلوك العنف، وقد يعتذر فى بعض المراحل
عما اقترفه ويعلن بعض المراجعات لينال قبولاً مجتمعياً أو يحقق مصالح فى فترة بعينها ولكن حتماً سيعاود سلوك العنف،
لأنه أمر جوهرى فى تكوينه نابع من فكرة الصراع المقدس.
13- تغيب عنه روحانيات الدين ومعانيه العميقة ويتمسك بالشكليات والمظاهر والنصوص.
14- لا يتورع عن أى سلوك براجماتى (نفعى) أو انتهازى لأنه يعتبر نفسه فى معركة
ولها ضرورات تبيح ما يفرضه الدين من محظورات.
15- تتغير الموازين الأخلاقية والمعايير السلوكية حسب الظروف والأحوال، فالبوصلة متجهة دائماً نحو تحقيق أهدافه.
16- يتميز سلوكه فى فترات الصراع والمواجهات بالعنف اللفظى (السب والشتم والدعاء على المخالفين له فى آرائه وتوجهاته)
والبدنى الظاهر على الرغم من تظاهره فى الأحوال العادية بالطيبة والهدوء والورع.
17- فى حالة استنفار دائم وجاهزية للاشتباك.
18- يبالغ فى استخدام الدفاعات النفسية كالإنكار والتبرير والتهويل والتهوين والإزاحة، لكى يرى حقائق العالم
كما يريد وليس كما هى، وهذا يجعله منفصلاً تماماً عن الأحوال المحيطة به فتتخبط قراراته وتضطرب خطواته
ويصاب بفشل ذريع يقوم بإسقاطه فوراً على قوى الشر التى يراها تحوطه فى كل مكان وتتكون من كل من هو مخالف له،
فيقوم بسبهم والدعاء عليهم ويدخل فى حالة عداء تجاههم.