و إليكى أقول: أتعرفين المقولة التى تقول (أبوها راضى وأنا راضى.. مالك أنت ومالنا يا قاضى؟)..
أنت الآن تقولين أنك لم تفكرى فى الانفصال، وأنك تحملتى حياتك بهذا الوضع لمدة 8 سنوات
، وأنك ترين فى زوجك المميزات التى تجعلك تصبرين عليه حتى الآن، كذلك هو راضٍ وقانع،
ويعيش حالة صلح وسلام داخلى مع نفسه.. فماذا أقول أنا؟.
. هل تعتقدى أنى سأحرضك على زوجك وحياتك وسأقول لك (لا والله يابنتى انتى لازم تتطلقى.. دى مش عيشه) ؟
، لا أنا ولا أى أحد يملك أن يجبرك أو حتى يطلب منك مثل هذا الطلب طالما كلاكما راض عن حياته،
ويتحملها. أم أنك- ودعينا نتكلم بصراحة- تخافين من اتخاذ هذا القرار، وتبحثين عن من يشجعك عليه،
أو بمعنى أصح يأخذه بدلا عنك؟، كثير منا يفعل ذلك عندما يجد نفسه فى مواجهة قرار مصيرى
سيغير من مجرى حياته بشكل جذرى، نجد أنفسنا نبحث عن من سيؤيد موقفنا،
ويدفعنا للقرار الذى نريده، حتى نعلق عليه المسئولية، ونجد من نشير إليه بأصابع الاتهام
عند أول مشكلة أو معضلة أو معاناة.. حبيبتى.. قرار الانفصال بالذات لا يمكننى أن أخذه بدلا منك،
فأنت لست أنا، ولا أحد منا يعيش حياة وظروف الآخر حتى أتمكن من الاختيار بدلا منك،
ولكن دعينا نرى الصورة بشكل أكثر شمولا قليلا.. أنت الآن فى بداية الثلاثينات،
دراستك وعملك وطموحك أخذوا منك كل سنوات عمرك السابقة تقريبا، بحيث لم تجدى الوقت
لتفكرى فى موضوع الإنجاب هذا بشكل حقيقى، ولم تجدى الفرصة لأن يكون لك وقفة فى هذا الموضوع،
لكن يا ترى هل سيكون موقفك بهذا الهدوء والقناعة بعد 5 أو 10 سنوات من الآن؟،
بعد أن يقل انشغالك بتحقيق وإثبات ذاتك فى عملك؟، وبعد أن تقل أو تنعدم قدرتك أنت شخصيا على الحمل والإنجاب؟
هل ستكونين راضية حينها عن مثل هذا التنازل؟، هل ستشعرين حينها أنك لم تخسرى كثيرا؟،
هل ستقولين لنفسك أنه حتى وإن تكررت الظروف وعادت السنين إلى الوراء سأختار نفس الحياة،
وسأفعل مثل ما فعلت من قبل بالضبط ؟.. لو كان ردك بنعم، فهنيئا لك، فكثيرين وكثيرات هم من قبلوا بحياتهم
بل وسعدوا بها بدون أطفال، اختاروا البقاء مع شريك الحياة والإبقاء على نفس الحياة
، حتى مع إدراكهم التام لما سينقصهم، ولحجم التنازل الذى هم مقبلون عليه
. أما إن كانت إجابتك ستكون بـ (لا) إذا (الحقى نفسك)، أنت فى الوقت المناسب تماما لحسم واتخاذ القرار،
وأى تأخير سيكون فى غير صالحك بكل تأكيد. أنا لن أقول لك اقبلى الحياة بدون أولاد،
أو انهى حياتك هذه وابحثى فورا عن غيرها سعيا وراء الإنجاب، ولكن كل ما أطلبه منك أن تفكرى جيدا
، حتى يكون قرارك واختيارك عن وعى حقيقى، وإدراك فعلى لشكل مستقبلك،
ولا تتركى حياتك كلها لعنصر الوقت ليتحكم فيها، ويكون له فيها اليد العليا والقول الفاصل،
إن أردت أن تكملى فليكن عن قناعة حقيقية بهذه الحياة، وإلا فابتعدى الآن، وفورا
، لأنه كلما زادت فترة زواجك، كلما زادت جراح انفصالك بكل تأكيد. نقطة ثانية.. فرضنا أن حالة زوجك قابلة للعلاج-
وهذا أغلب الظن- فمعظم حالات العقم أصبح لها علاج بفضل الله الآن، فعليك أن تعرفى أنك لو قررتى
الاستمرار معه أنك ستكونين دائما أنت العنصر الفاعل فى هذه الزيجة، وأنك ستكونين دائما (الدينامو) المحرك
لكل شىء، بداية من رحلة العلاج، وحتى إتمام المهمة، وإلى أن يصبح لديك طفل بإذن الله،
يجب أن تعرفى أنك ستكونين أنت المفكر والمدبر والدافع والمحرك، وكل شىء فى كل شىء،
فرجل يهمل العلاج الذى سيمكنه من أن يكون أبا لمدة 8 سنوات لا يرجى منه أن يفيق فجأة
ويعرف مصلحته بل وواجبه بين يوم وليلة. هل تقبلى أن تكونى أنت (الكل فى الكل) فى حياتكما
من الآن فصاعدا؟، متحملة مقاومته، وكسله، بل ورفضه وعناده ربما فى بعض الأحيان، هل تقبلين بهذا الدور؟.
. ولا تفهمى كلامى على أنى (باقفل الدنيا فى وشك) لكنى من واجبى أن أنبهك إلى أن هذا الدو
ر لن ينتهى من حياتك حتى وإن كتب الله لكما الإنجاب، فلك أن تعرفى أن مثل هذا الزوج
لن يكون أبا يعتمد عليه أبدا، فلا تعتقدى أن وجود ابن أو ابنة له سيحوله فجأة إلى الرجل النشيط الحيو
ى الذى يعرف ماذا يجب عليه أن يفعل.. أنت واهمة إذا تخيلتى هذا قطعا. إذا عليك أن تدركى أنه
حتى وإن حلت مشكلة الإنجاب، فلن تكون هذه هى آخر مشكلة فى حياتك، فحتى وإن انتهت
فستجدين نفسك دائما (الرجل والمرأة).. (الأب والأم).. (المخ والعضلات) فى حياتك وحياة أولادك فى المستقبل.
. هل تدركين هذا؟، والأهم من ذلك هل تقبلين به؟.. هناك من سيقبل بهذا فى مقابل الحفاظ على الاستقرار النفسى،
والمظهر الاجتماعى، وهربا من صدمة الانفصال بكل ما لها من تبعات، وهناك من سيقول إنه لا شىء يعادل
كل هذا الضغط والحمل الذى سأضعه على كاهلى بمحض إرادتى.. أيهما أنت؟.. خذى وقتك
، وفكرى فى الاحتمالين، واختارى الاختيار الذى ترين نفسك فيه بصرف النظر عن آراء واختيارات الآخرين.