de facto - de jure 22/2/2013 خالد البرى عنوان المقال تعبير يستخدم عادة فى الاستقصاء. فى البحث المجتمعى.
الباحثة مطالبة بتقديم صورة عن الوضع فى مجتمع معين. وأول ما يواجهها من أسئلة
هو: هل تعتمد على المكتوب فى الوثائق، أم تعتمد على شهادات الناس عن الواقع المعاش؟
بصيغة أخرى: هل تكتفين بأن تنظرى إلى الدستور والقوانين والقواعد المكتوبة؟
هل ستقدم هذه صورة حقيقية عن الوضع فى البلد؟
أم لا بد من سؤال الناس عن حياتهم وتجاربهم وقدرتهم على نيل حقوقهم؟
الإجابة واضحة.
غير أنه فى الدول التى تقدس النقل، فإنها تعنى عناية كبيرة بما هو مكتوب،
وتقدمه دليلا على أن كل شىء تمام، أصاب عادل إمام حين قال «أمّا بلد شهادات صحيح».
الأزمة عندنا يا صديقتى أزمة ثقافة فى المقام الأول. أزمة مفاهيم استمرت بلا اختبار ولا مراجعة ولا تحديث، عقودا وراء عقود، وقرونا وراء قرون. تدريج يقتل المفاجأة والصدمة والحاجة إلى الأسئلة. ويقوى «الثوابت» الراكدة، و«المسلمات» التى لا يسمح بالجدل حولها. انظرى إلى الأسلاك إلى جوار كمبيوترك. ضعى كل يوم جهازا تحتاجين إليه،
دون أن تبالى بالتنظيم. ستتشابك الأسلاك لا محالة. لن تعرفى هذا من ذاك.
إلا لو جلست وفكرت وأعدت ترتيب الأمور. هذا ما حدث فى مصر سياسيا.
كلنا نريد أن نحل المشكلة. لكن طالما أن جماعة خلف جماعة تصر على أن يبقى الوضع
على ما هو عليه، فلن تنحل. ستتعقد كل يوم أكثر وأكثر، وتتحول إلى مستعمرة ثعابين.
الأنكى من ذلك أن جماعات السلطة، التى تريد الإبقاء على الوضع القائم،
صارت تتعمد تأزيمه، بإضافة مزيد من التعقيدات، تعتبر أن ذلك منهج مساومة، منهج تفاوض.
لم تعد المشكلة مشكلة جمالية، ولا كمالية، إنما صارت تعجيزا وظيفيا.
عودا على بدء. أليس المنهج التفكيرى لهؤلاء ولنا هو الذى أوصلنا إلى هذه الحالة؟
أليس زحام النصوص، والمحاججة بالنصوص، ومداواة الأمور بمزيد من النصوص،
حتى لو سهروا عليها وسلقوها فى أكبر إستربتيز دستورى يشهده العالم،
هو السبب فى ما نحن فيه؟
لو كنت لا تصدقيننى فاقرئى هذا النص الدستورى وقارنيه بواقع التعذيب وانتهاك الأعراض
والقتل الذى صار شائعا فى بلدنا: «كل مواطن يقبض عليه، أو تقيد حريته بأى قيد
يجب معاملته بما يحفظ ليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا».
هل أثرت المادة النَّصية فى أى شىء؟ أبدا. ولن تؤثر. إن أردت أن تعرفى السبب
فانظرى إلى كل ما حولك. من أول النص الدينى ومدى انعكاسه على أخلاق الناس،
إلى النص القانونى الذى تتحايل عليه السلطة التنفيذية، ويتحايل عليه الموظف الحكومى،
ويتحايل عليه صاحب العقار. انظرى إليهم واعرفى أين المشكلة.
المشكلة أعمق من أن يحلها نص. إن لم نتوقف ونفصل الأسلاك عن بعضها، سنضطر إلى قطعها، وسيكون هناك ضحايا.
لا تعتقدوا أنكم أتيتم من الحيلة بما لم يستطعه الأوائل. العالم كله يعرف هذه المشكلة،
ويصنفها. ولم تعد النصوص الدستورية والقانونية الصماء تجدى معه.
ألم أقل لكم سابقا أيها الإسلامجية: لقد جئتم متأخرين قليلا عن عهد الفاشيات
الذى كان سيناسبكم تماما. جئتم متأخرين.