فلا تخذلى أطفالك ... 26/2/2013 خالد البرى كلما انتقدت شيئا عندنا قالوا لك هذا ركام طويل، ولن يحل. مشكلة المرور، العشوائيات، المحسوبية،
الواسطة، الفساد، إلخ. والحقيقة الحقيقة أن الركام الطويل، العثرة البليغة، التى نواجهها جميعا
هى اعتقادنا أننا خير أمة أُخرجت للناس. مع أن أى كائن عادى من المريخ،
لا متعلم ولا بيفك الخط، لو كسب رحلة إلى الفضاء ومر بالأرض وقارن أحوال الأمم والبلدان،
وسمعنا ونحن نقول هذا، لقال لنا بالفم المليان: إنتو عبط ولا بتستعبطوا.
ولفشلنا فشلا ذريعا فى إقناعه بأننا بنستعبط. وعنده حق.
لأن للاستعباط حدودا. ونحن فقنا الحدود.
خلينا من المشكلات العويصة اللى مش هتتحل، وتعالَ نشوف الموضوع دا:
ربنا رازقنى بطابور مدرسة باصحى عليه كل يوم الصبح. وبقيت غصبا عنى حافظ الإذاعة المدرسية.
تبدأ بدعاء، ثم آيات من القرآن، ثم كلمة تتحدث كل يوم عن حكايات من كتب السلف الصالح،
ثم تنويهات، وتحية العلم يسبقها التكبير ثلاث مرات، ثم الصعود إلى الفصل.
وكلها أمور رسالتها أننا على حالنا «خير أمة أخرجت للناس».
بالنسبة لطفل فى مقتبل حياته، هذه أكبر خدمة إعلامية يستمع لها، منتبها، متيقظا،
وأحيانا مشاركا. هذا ما يحدد اهتماماته وطريقة نظره للكون، وطريقة نظره للكتابة والإلقاء،
وللمادة الإعلامية، وتنوعها. بل وما يفتح عقله إلى مناطق جديدة يبحث فيها،
وشخصيات جديدة يبحث عنها، ومثل عليا يقتدى بها.
ربما بسبب كل ما سبق، تحرص الأنظمة الاستبدادية، على اختلاف أنواعها،
على أن تكون إذاعة الصباح موجهة.
الحركات الإسلامية تعتقد أنها بقصر معارف الناس على القرآن وأبحاثه، تصنع لهم خيرا.
لكن الواقع يقول إن الباحثين عن عمل «عادى» لا تسعفهم هذه المهارات.
أما الباحثون عن عمل طموح، فيحتاجون إلى علم دنيوى متخصص. وهذا يحتاج إلى حب للعلم.
وحب العلم ينبع من إحساس الأطفال بأن هذا شىء مقدر فى العالم. الطفلة الصغيرة لا تعرف.
الطفلة الصغيرة ورقة بيضاء تكون ما ننقشه عليها. والإذاعة المدرسية أهم أدوات هذا النقش.
لكنها لا تحدِّث الأطفال عن العلم والعلماء.
الإذاعة المدرسية تخضع عادة لإشراف مدرس اللغة العربية. انظرى إلى منهج اللغة العربية
فى المدارس. يكاد يكون خليطا من خطب جمعة، مع مطالعات مملة. وأساتذة اللغة العربية-
ولهم فى حياتى فضل كبير أشكرهم عليه- أسرى هذا العالم. عالم البلاغة القديمة،
والحكايات من الأثر، وبعض الكتابات العباسية والأموية التى سمحت بها الرقابة.
لو أضفتِ إلى هذا الجوَّ الاجتماعى الذى نعيش فيه، وتذكرت مستوى خطب الجمعة
ودروس المساجد التى نسمعها اختيارا أو إجبارا، ستعلمين أن اللوم ليس على
مُدرسى اللغة العربية وحدهم، إنما جزء من الجو العام.
الإذاعة المدرسية يجب ويَلزَم أن تخرج من هذا السجن. يجب ويلزم أن تكون مناسبة للعصر
الذى نعيش فيه. أن تتحدث عن مارى كورى وعن أينشتاين وعن نيوتن،
أكثر مما تتحدث عن القعقاع والحسن البصرى والحجاج بن يوسف الثقفى.
غرضى من هذا الكلام ليس إقناع أحد من مسؤولى التعليم، لأنهم هم أنفسهم أسرى لنفس العالم،
سواء فى نظام مبارك أو الآن، ومهمتهم فى مصر معروفة، ومستوى ثقافتهم لا يبشر بخير.
وفاقد الشىء لا يعطيه. إنما أحدثك أنت. السكوت عبث بمستقبل أبنائك.
الثورة ليست فى ميدان التحرير أو غيره. الثورة تغيير فى الثقافة فى المقام الأول.
واعتراضك ومطالبتك بالتغيير، من أجل تحسين فرصة أبنائك فى المستقبل،
لن يبدأ إلا بمبادرة شخصية منك، ومن قلة من المتفتحين المهتمين
بمستقبل أبنائهم من أولياء الأمور.
والمطلب بسيط جدا. أن تكون الإذاعة المدرسية إذاعة لكل جوانب الحياة التى تهم الطفل، وليست خطبة جمعة مقسمة تقسيما مختلفا. وأن يكون النشاط المدرسى شاملا للرياضيات والفيزياء والعلوم والمسرح والأدب. تَعلُّم طفلك الإلقاء، وتشبعه بالأدب، يجعله أكثر ثقة بنفسه، وأكثر قدرة على عرض قدراته. نحن جيل عانى من نقص هذا كثيرا. ولا نريد للأجيال القادمة أن تعانى منه.
إن للسلطة المستبدة غرضا فى أن تسجن خيال الأجيال الجديدة،
وتقصه على قدر قدراتها المحدودة، وإلا ظهر عجزها. لكن غرضك فى تحرير خيال أطفالك،
واهتماماتهم، وطموحهم، يجب ويلزم أن يكون أكبر،
ولا سيما إن كان فى مدرسة حكومية أو مدرسة خاصة مصرية. فلا تخذلى أطفالك.