[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قصة من لا ظهر له يحميه ولا مال يرفع من شأنه كان ينبعث نور خافت من الطابق العلوى فى ذلك المبنى الشامخ.. تسللت إليه بهدوء
لأزور قريبتى التى كانت ترقد هناك.. وفجأة لفت نظرى وجود أشخاص احتضنتهم الأرض
فى ذلك الليل الذى لف المكان بوشاحه الحزين وأصوات الآهات والأنين تنبعث منه
فى كل مكان.. أغمضت عينى من كثرة الأصوات التى سكبها الليل فى مسامعى..
تسمرت فى مكانى برهة ولزمت الصمت وأطلقت العنان لمشاعرى لكى تسمع الصدى.
لمحته من بعيد وقد أحاط رأسه بكفيه ماسحاً على شعره وزفرات الألم
تتصاعد من محياه والدموع تنهمر من مقلتيه كزخات المطر.. شد انتباهى
فلم أجد إلا خطواتى تقودنى إليه دون تردد.. وقفت أمامه فى صمت وبلا حراك
حتى تنبه لوجودى وسألنى: من أنت؟! ماذا تريدين؟! اعذرنى إذا اقتحمت عليك
أفق خلوتك دون استئذان.. لست أدرى ما أقوله لك.. لكن دموعك استوقفتنى لمرارتها
وصوتها اليائس الحزين.. هل لى أن أعرف مم تشكو؟! أبكى زوجتى
التى اختطفها الموت من دقائق.. أبكى من كانت لى الدنيا بأسرها..
كنت أعيش فقط لأجلها وكانت لى الأم والأب والولد.. كانت هى لذة عمرى
فقد امتلكت قلبى وأضاءت لى حياتى.. وها أنا الآن ألقى الغطاء بيدى هاتين على جسدها الطاهر
والابتسامة لم تفارق وجهها الملائكى حتى استكانت وهدأت روحها.. ثم بدأ يروى قصته والذهول
يتملكنى من هول ما أسمع.. قال: تملكنى التعب مساء اليوم فتسللت إلى سريرى بحذر
خشية أن أوقظها من نومها لكننى سمعت صوت بكاء وألم تحبسه بصمت داخل أنفاسها
خوفا من أن تزعجنى أو تقلق منامى بينما نوبات الألم تداعب أجفانها وتزحف مسرعة
نحو أحشائها.. وجدت روحى تكاد تخرج من بين ضلوعى خوفا عليها وأحسست بألمها
ينتقل إلى قلبى.. حملتها على أكتافى إلى أقرب مشفى من تلك المشافى التى يقال عنها
أنها ملك للشعب.. كانت جيوبى خاوية إلا من صقيع الفقر وجحيم العوز..
هناك صرخت متوسلا كطفل عديم الحيلة مسلوب الإرادة أنقذوا لى زوجتى أنها تموت ألماً..
فإذا بصوت عال يملؤه الصراخ من إحدى الممرضات يقول: انتظر دورك أمامك الكثير..
والأطباء لم يأتوا بعد!! لكن زوجتى تحتضر!! ألا تفهم عربى يا هذا؟!
ونظرت حولى لأجد أكواماً من اللحوم مبعثرة على الأرض تئن وتصرخ من الألم
ولا مجيب لاستغاثاتها، ولا غرف تؤويها، ولا مسكنات تهدئ من آلامها،
ولا أطباء يشرفون على علاجها، ولا أحد يهتم لأمر هؤلاء المتسولين
الذين يسمون فى قاموس الحياة بالفقراء والمعدمين..
من هم حتى يشعر الآخرون بهم وبآلامهم؟!
صرخت بصوت عال محتجاً على كلام الممرضة مستحيل مستحيل أدعها تموت أرجوكم أين الطبيب..
لو كنت أملك مالا لأخذتها إلى مشفى الأغنياء والمترفين ولكنى فقير معدوم الحال..
أرجوك اتصلى بالطبيب...نظرت إلى باستحقار وأعادت على مسامعى كلماتها الأولى!!
حسناً .. سأنتظر ولكن ألا يوجد سرير تريح جسدها عليه أو دواء مسكن يهدىء من روعها
أو طبيب مقيم يرى علتها؟! وبين الأخذ والرد مر الطبيب وكأنه فارس زمانه
ترافقه ممرضة تجر عربة فيها قليل من الشاش وبعض الحقن والضمادات..
انطلقت صوبه مسرعا وقبلت يده لكى ينقذ توأم روحى.. فرد على ببرود شديد:
انتظر دورك يا هذا أمامك الكثير من المرضى!! لكن زوجتى تموت أيها الطبيب..
أغلق باب غرفته فى وجهى.. فدفنت رأسى بين يدى وقلبى يرتعش ويتألم من هذا الحال العصيب..
وظللت أسأل نفسى.. هل يمكن أن يكون هناك مشفى بلا طبيب مقيم أو كمية دواء كافية
لهؤلاء المساكين؟! ألا توجد دماء تنقذ حياة الأطفال الأبرياء؟!
ألا توجد غرفة تستر عورات النساء؟!.. لم أستكن ولم أهدأ إلا عندما كشف الطبيب على زوجتى
ولكنه نظر إلى دون اكتراث قائلاً: علة زوجتك ليست من اختصاصى عليك الانتظار
حتى يأتى الطبيب المختص.. ومتى يأتى؟!.. لا أعلم!! ..أرجوك أيها الطبيب اعطها مسكن
ا يوقف ألمها.. لا لا أستطيع فقط انتظر.. هنا تنبهت على صوت زوجتى وهى تودعنى
بنظراتها الوداع الأخير وتطلب منى السماح وبعدها فارقت الحياة..
وها أنا أنتظر لأستلم جثتها..
هذه قصتى وقصة مشفى الفقراء.. وقصة من لا ظهر له يحميه ولا مال يرفع من شأنه..
انعكست ملامحه على وجهى وشعرت بالدماء الحارة تسرى فى عروقى
وبالعرق يتفصد من جبينى وأنا أقف أمامه دون حراك.. هرولت مسرعة إلى مكتب المدير
كونى صحفية أريد تفسيراً لما حدث.. وبنظرة المتخمين مالاً والمترفين جاهاً رد على قائلاً :
ما ذنبى إذا كان المشفى يفتقر لكل شىء ولم يتم الاعتناء به ليكون كاملا
يستقبل جميع الحالات ففيه نقص فى عدد الأطباء ونقص فى كمية الأدوية
ونقص فى الكفاءات.. ولكن ذلك يقع ضمن مسئولياتك كونك مديراً ومسئولاً!!..
لا لا يا سيدتى.. الذنب ذنب الحكومة التى لم تعر مواطنيها الاهتمام الكافى
ولم توفر لهم التأمين الصحى الكامل ولم تحسبهم من جنس البشر ولا تشعر بهم
ولا بمعاناتهم إلا أثناء فترة الانتخابات فقط.. هنا ارتفع صوتى دون شعور مني..
ألهذا الحد هانت عليكم نفوس البشر الذين لا ذنب لهم سوى أنهم من طبقة الفقراء..
ألا يوجد لديكم رادع من ضمير؟!..تصرفون الملايين على أغراضكم الشخصية
وتستخسرون الفتات على أبناء شعبكم وتبخلون عليهم بتجهيز مشفى يداوى علاتهم
ليكونوا مواطنين أصحاء يخدمون وطنهم بإخلاص وأمانة؟! لن أقول لكم
سوى ما يردده هؤلاء المرضى ليل نهار.. حسبنا الله ونعم الوكيل!!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]