شهرزاد Admin
عدد المساهمات : 5700 تاريخ التسجيل : 05/03/2013
| موضوع: شكلى -يا صديقتى- وعيك بنفسك. لا ترثيه، ربما يكون فى وعاء الوعى المقدم إليك سم قاتل، أو كآبة قائمة. الجمعة مايو 03, 2013 4:06 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] (١) دخلت السجن وأنا فى السنة الثالثة فى كلية الطب. فى البداية قضيت عشرة أيام فى معسكرات «فرق الأمن» فى أسيوط. فى زنزانة صغيرة تشاركتها طوال المدة مع زميل لى فى نفس الكلية، وعضو طبعا فى نفس الجماعة. ومن نفس سنى، ١٩ سنة، وإن كنت أسبقه بسنة دراسية. كنت قد أتممت حفظ القرآن قبل دخولى السجن بأسبوع واحد. وكان ماجد بصدد إتمامه، حين خرجنا من السجن بعد شهرين كان قد أتم حفظه فعلا، لكن ماجد كان أكثر منى محافظة على قراءة القرآن، وكان صوته أجمل - المقارنة فى حد ذاتها ظالمة له. وكان أهدأ منى، وأشجع. فى جلسة التحقيق الأولى فك العصابة عن عينيه وضرب أحد العساكر الذين كانوا يقيدونه. وكنت أشعر دائما نحوه بهذا الفضل والسبق على، فأقدمه لإمامتنا -أنا وهو- فى الصلاة. وأستمع لنصائحه بخصوص الأكل، فلا آكل من الطعام المقدم إلينا، لأن فيه سمنا حيوانيا مستوردا. وتوقفت عن شرب المياه داخل الزنزانة، مكتفيا بما أشرب فى الساعة التى يسمح لنا بالخروج من الزنزانة إلى الحمام، لأنه أخبرنى أنه رأى علبة المياه نفسها فى دورة مياه الجنود. بمعنى آخر كنت أثق فى حكمه على الأمور ثقة مطلقة. وأكبر حرصه الصارم على الالتزام بالفرائض والسنن، كبيرها وصغيرها، حتى فى قهر السجن، لدرجة أنه أصر فى يوم الجمعة الوحيد الذى قضيناه فى تلك الزنزانة على البحث عن شىء معدنى يستحد -يزيل شعر جسمه الزائد- به، حسب السُّنة، وفعل ذلك بقطعة معدنية وجدها بنفسه، أو أتى له أحد الجنود بها. لا أتذكر بالضبط. (٢) فى العام الجامعى الثانى، يكون الإنسان قد راكم كمية من المعارف شكلت إلى حد كبير طريقة فى النظر إلى الأمور. لم تنضج بدرجة كافية بعد، لكنها فى نفس الوقت تخطت مرحلة الطفولة. هذه المعارف يجب أن تكون كافية فى هذه السن لإعانة الفرد على الاختيار من متعدد، وعلى المرور بتجارب عاطفية وتحمل تبعاتها، وعلى -خدى بالك- إدراك الخطر، والخطأ والصواب. ليس صدفة أن هذه هى السن التى يسمح فيها بمشاهدة المواد المخصصة «للكبار فقط». هذه المعارف تتجمع فى وعاء، نسميه الوعى. العلاقة بينهما تفاعلية. بمعنى أن تراكم كمية أكبر من المعارف لا يعنى بالضرورة خلق وعى أفضل. كما أنه -فى نفس الوقت- لا معنى لمعارف جيدة إن كان الوعى موجها فى اتجاه مؤذٍ. بعض رجال العصابات الكبار ونسائها من أكثر الناس حيازة للمعارف، والقدرات، لكن وعيهم يأخذ هذه المعارف والقدرات فى اتجاه يختلف عن الاتجاه الذى قد يتخذه عالم فيزياء لديه نفس القدر من المعارف. الوعى تركيبة نفسية وجسمانية ومجتمعية مميزة لكل شخص منا. (٣) فى السنة الدراسية الثانية من كلية الطب -كما الحال مع ماجد- نكون قد راكمنا كمية من المعارف كافية جدا جدا لاستشعار خطر كبير من حلاقة شعر أجسامنا بآلة حادة غير معقمة. خطر كبير بالنسبة لأى فرد، ولكن بالنسبة لشخص يدرس فى كلية الطب فهو خطر بالغ يشبه الاقتراب من منطقة فولت عال، تحمل خطر الموت. فما الذى جعل ماجد، ولولا الكسل وقلة الهمة ربما لفعلت مثله، يحلق شعر جسده بآلة الميكروبات تلك؟ ما الذى يجعل طبيبا يعرض نفسه لهذا الخطر البالغ لغرض بسيط مثل سنة «الاستحداد يوم الجمعة»؟ ما الذى يجعل إنسانا تقيا ورعا لا يقرب المسكرات حتى لا يفقد سيطرته، ولا يلقى بنفسه إلى التهلكة، يعرض جسمه لاحتمال الفتك به بمرض عضال؟ وأخيرا ما الذى يجعل شخصا متعلما، فى كلية من كليات القمة، يتصرف كشخص جاهل تماما؟ وما الذى يجعل أستاذا دكتورا يتحدث عن العالم بنظرة لا تختلف عن مواطن لم يقرأ فى عمره كتابا ولا يعرف الفرق بين المجموعة الشمسية والمجرة؟ ما الذى يجعل رد فعلهما على مشهد «شهاب يحترق» واحدا؟ (٤) إنه الوعى. شكلى -يا صديقتى- وعيك بنفسك. لا ترثيه، ولا تسمحى للجماعة من حولك أن يفرضوا عليك رؤاهم للكون، احذرى، ربما يكون فى وعاء الوعى المقدم إليك سم قاتل، أو كآبة قائمة. خالد البرى | |
|