Admin Admin
عدد المساهمات : 1147 تاريخ التسجيل : 05/02/2013
| موضوع: كل مرة أقسم أن لا أعود إليه ، فأعود لأشحن من أجل صيام الأيام الثلاثة تكفيرا للقسم الكاذب. الخميس مايو 09, 2013 9:55 am | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] شهوة البرنس فى النصف الثانى من التسعينيات كنت أستعد لإمتحانات نهاية العام الجامعى بمعسكر فى بيت زميل عزيز فى إمبابة ، ذات ليلة و بينما يسرقنا الوقت كعادة أى طالب مصرى وعدنى أننا إذا انتهينا من مراجعة مذكرة الإقتصاد قبل الثانية عشر مساء ستكون الحلاوة هى عشرة خمستاشر رغيف كبدة من عالم الأساطير ، قال نصا فى حب هذة الساندوتشات أنها خمر تذهب العقل و تبعث على النشوة بطريقة لم يعهدها وهو الذى قضى عمره كله يتنقل من عربة كبدة لأخرى ، وقال أن صانع هذة الساندوتشات اسما على مسمى " البرنس" ، وأخذ يتفنن فى شرح الطريقة التى تذوب بها قطع صغيرة من السمين فى حضن قطع الكبدة الجملى وهى تروح يمينا و يسارا على النار بين قطع الفلفل الحامى ، وقال أن صانع الساندوتشات لديه خلطة سحرية اسمها " بطن النار" يلقى بها فى الطاسة قبل أن تنضج الكبدة تماما ، يغلب عليها الكسبرة و الثوم و توابل أخرى ، كان يحكى و يزيد و يعيد حتى حلت الساعة الثانية عشر فنزلنا الشارع على وعد بأن نسهر على مذكرة الإقتصاد حتى الصباح بعد عودتنا من عند ساحر الكبدة .
كانت عربة زجاجية عادية يوجد مثلها أسفل كل كوبرى فى القاهرة ، لكن الزحام كان كثيفا ، وكانت رائحة الطهى كفيلة بان تقلّب على الواحد كل شجونه و أن تذكره بالحبايب فى كل آوان و مكان ، كانت ليلة للذكرى أكلنا حتى سقطنا فى هوة بئر السعادة العميق و ظللت أمتحن مادة الإقتصاد مرة تلو الأخرى إلى أن امتحنتها للمرة الأخيرة فى دور شهر 11 مع المتخلفين فنجحت و تخرجت بصعوبة ، إذ كان استذكار هذة المادة صعبا للغاية ، أضعها أمامى فأتذكر البرنس فأغرق فى تشويش ما لا يزول إلا بصيحة تقطع صمت الليل " تاكسى .. إمبابة يا أسطى ؟".
مرت سنوات نسيت خلالها الأمر تماما إلى أن تجددت الدعوة من صديق آخر لتناول العشاء عند البرنس ، كانت عربة الكبدة الصغيرة التى تشغل تقاطع شارعين صغيرين قد اختفت تماما و حل محلها مطعم بترابيزات و دورة مياة ، ظللت فى كل زيارة ألمح التوسعات ، فى البداية حدث توسع بضم الدور العلوى للمطعم ، ثم أصبحت البناية كلها تابعة للبرنس ، ثم انضم له المنزل المجاور ( يستخدم كمطبخ) ، فأصبح الرصيف كله تابعا للمحل ، ثم نزل المطعم إلى الشارع فصارت ترابيزاته تحتل نصفه تقريبا ثم أضيف له محل فى الجهة الأخرى كمخزن ، ثم أضيف له محل آخر فى الجهة نفسها يتم فتحه لاستقبال الزيادة المتوقعة فى شهر رمضان ، ثم أصبح الأمر لا يطاق بعد أن أدخل البرنس خدمة ( الويتنج ليست ) حيث يجلس الواحد فى حدود حرم المطعم فى انتظار ان يناديه العاملون ليجلس على ترابيزة مشتركة سعتها 12 شخصا على الأقل .
(ّّّّّّّّّّّّّ...........................................................)
ضع فى القوس السابق كل حوقلة وبسملة ممكنة و ارسم خمسة و خميسة و اكتب بخط جميل ماشاء الله ولك من عندى مثلها فأنا لا أفكر للحظة أن أحسد الرجل ، و الحسد هو تمنى زوال النعمة ، وأنا لا أتمنى زوالها على الأقل ليس من أجل البرنس و لكن من أجل معدتى الرقيقة ، ربنا يزيده ، لكن الواحد منذ عام 2005 تقريبا وهو يتسائل متى ستنتهى أسطورة البرنس ؟ ، عاصرنا وودعنا أساطير كثيرة وهو لازال شامخا و لا عمرو دياب ، انتهت أسطورة مطعم رضوان فى الدقى و قبله فرارجى عظمة وقبلهما سجق مسرح نجم و زيزو نتانة و كبابجى أبو رامى و مكرونة رضا و كشرى أبوعماد و لم تعد أسماء عظيمة مثل الرفاعى وأبو شقرة و سمسمة تثير الشهية كما كانت منذ خمس سنوات ، وصار فطاطرى الدوار وساندوتشات مؤمن و مكرونة فرن تبيستى و دينر بوكس كنتاكى تفاصيل فى حياتنا قد لا تعنى لك شيئا مهما مثل جريدة الأهرام و ماتشات إنبى فى بطولة أفريقيا ، لكن وحده البرنس لا تنتهى أسطورته (للأمانة هو و كشرى وأبو طارق) ، سنوات طويلة ينتظر فيها الواحد أن يقول جملة ( يااه فاكر البرنس بتاع إمبابة ؟) دون فائدة ، يدفن الواحد أصدقاء له فى عز الشباب ويتفادى البرنس بمهارة كل أسباب الرحيل ، فيحسب له أنه يعمل منذ سنوات دون ان نسمع عن حالة تسمم واحدة أو لحم مغشوش تضبطه مباحث التموين فى ثلاجاته او مشكلة مع الضرائب أو حتى مشاجرة تجيب ضلف المحل ، يا راجل ده أى محل ممكن الشيف بتاعه يتغير فيفقد طعامه شهرته المعهودة ، لكن لم يحدث مرة أن خرج الواحد قائلا ( البرنس مابقاش زى زمان) .
محاولة تحليل أسباب نجاح البرنس تشبه محاولة اكتشاف أسرار الطبيعة فى مثلث برمودا ، لكن على سبيل الإجتهاد لابد من المحاولة .
هناك شهوة اسمها شهوة البرنس ، وشهوة البرنس غير شهوة الطعام ، يشتهى الواحد الطعام و هو جائع ، بينما يشتهى الواحد البرنس وهو ( نفسه مفتوحة ) ، وهو الفرق بين أن يشتهى الواحد الطعام ليعيش و بين أن يعيش الواحد لشهوة الطعام ، هناك لحظة تسحب فيها من الكشك كيس شيبسى تأكله لتواسى به نفسك ، وهناك لحظة تريد ان تكافىء فيها نفسك بأكلة ، هناك خروجة على هامشها الأكل ، وهناك أكل على هامشه الخروجة ، يشتهى الواحد الطعام فى إطار القانون البشرى العادى و لكن الواحد يشتهى البرنس عندما يريد أن يتحرر من كل القوانين و القيود الممكنة ، بداخل كل إنسان طفل صغير يريد أن يقفز فى الطاجن الفخار أيا كان محتواه ليقول للعالم أنا موجود و كلى شهية و حب للحياة ولا مانع لدى من الجلوس مع غرباء على منضدة واحدة لأمضع الطعام بصوت عالى و أضرب يدى بلقمة ودن القطة فى قلب الطبق يلوها واحدة جديدة قبل أن أبتلع القديمة وأن أمصمص العكاوى دون أدنى خوف على التى شيرت أو دون أية مراعاة لشعور أى شخص فى الكوكب ، وأن أسحب عيدان الجرجير الحى واحدا تلو الآخر كرجل شوارعى يكره عشوائية الإختلاط فى طبق السلطة ، وأن أتغزل كما يحلو لى فى رائحة طشة الملوخية القادمة من بعيد مدلدلا لسانى ككلب حراسة حتى يصلنى منها طبق تعوم الطشة فوق وجهه ، وأن أكسر كل ما تربيت عليه من أصول بأن أطلب ربع سجق محمر إلى جوار الملوخية مع قليل من المكرونة بالكبدة وأبلع الخليط كله بالباذنجان المخلل و البابا غنوج ، يحتاج الواحد كثيرا للحظة التى يشعر فيها أنه ابن الطبيعة .
البرنس يقدم لك خدماته فى هذة اللحظة ، يفتح أحضانه بكل الحب للحيوان البرى الكامن بداخلك ، ومن اجله يحرق قليلا طبقة البصل التى تغطى طاجن اللحم ، و ينتقى العكاوى و يطهيها بحيث تذوب فى فمك كالمانجو ، و يبالغ فى خلطة التقلية بالسمن التى يسكبها أمامك مباشرة فى طاجن الملوخية ، و يزين طبق المحمر المشكل بحبات اللية كمن يزين التورتة بحبات الكريز ، ثم يقف لك بعيدا عن الترابيزة مبتسما يلوح لك ب "ملاحة صغيرة " فإذا أردت سكب منها قليلا على وجه طبق الكوارع أو الطاجن أو الكبدة ، ملاحة تمتلىء ببودرة جوزة الطيب حتى تكتمل الدماغ .
يلعب البرنس على اللحظة التى تختار أن تترجم فيها حبك لنفسك و للحياة بالطعام ، هو راع رسمى لشهوة حلال، وهو راع مخلص الأمر الذى يزيد حجم رعيته بالوقت ، هو شخصيا لا يصدق نجاحه و هذا سبب آخر للإستمرار ، لو كان يشعر بنجاحه لرفع من على الجدران صوره مع لعيبة كرة قدم اعتزل نصفهم ، ومطربين لم يعد يستمع إليهم أحد ، و ممثلين زال عنهم قدر كبير من النجومية ، لو كان يشعر بنجاحه لأدخل خدمة الشيشة ليكتمل الطقس ، أو ربما لتغيرت معاملة طاقم العاملين للزبائن بكل ما فيهم من أصناف مستفزة أو متعالية أو تستخف دمها ، كنا سنراه فى هيئة أخرى غير جلبابه المعهود و سيارته متوسطة القيمة ، ربما فكر أن يفتتح فرعا جديدا مثلما فعل كل من سبقوه إلى عالم النجاح و كانت سلسلة فروعهم اول خطوة فى الطريق إلى الركاكة التجارية ، البرنس شخص عثر على نفسه فى متر مربع و كلما نجح ضم إلى هذا المتر على استحياء مترا آخر مجاور ، أذكر تماما أول مرة رأيته فيها وهو يصنع الساندوتشات بابتسامة غريبة، وقلت أن هذا الرجل وجد فى سندوتش الكبدة مناسبة للرومانسية .
خلاصة القول أن الكبدة .. على قد ما تديها تديك .
لكن هذا لا يمنع أبدا أننى فى كل مرة أغادر فيها مطعم البرنس أقول لنفسى أنها المرة الأخيرة ، و أؤكد لمن قاسمنى اللقمتين رغبتى وأراه يبادلنى الشعور نفسه ، لن نأتى هنا مرة أخرى ، فالواحد يخرج من البرنس " مش فاهم حاجة" ، بعد أن استسلم للشهوة فأفرط و فرط ، أفرط فى الدفس و فرط فى أصول الدفس ،أقسم أننى لن أعود إليه ، فالحيوان الكامن بداخلك ينكشف ثم سرعان ما يتخلى عنك فتتضح المأساة ، لقد اكلت بعقل حيوان شره و معدة إنسان غلبان يوم ما يحب يصيع بيطلب البطاطس لارج .
كل مرة أقسم أن لا أعود إليه ، فأعود لأشحن من أجل صيام الأيام الثلاثة تكفيرا للقسم الكاذب.
عمر طاهر
| |
|