المعارضة المصرية لديها فرصة تاريخية وهى تواجه منافسين فقراء الخيال، ومملين. ينبغى فقط أن تدرك أن عليها أن لا تنافسهم فى الملل
كاتب الموضوع
رسالة
شهرزاد Admin
عدد المساهمات : 5700 تاريخ التسجيل : 05/03/2013
موضوع: المعارضة المصرية لديها فرصة تاريخية وهى تواجه منافسين فقراء الخيال، ومملين. ينبغى فقط أن تدرك أن عليها أن لا تنافسهم فى الملل الجمعة مايو 24, 2013 4:33 pm
24/5/2013
خالد البرى
تخيلى هذا المسلسل. المشهد الأول، البطل جالس فى غرفته يفكر. المشهد الثانى، البطلة جالسة فى غرفتها تفكر.
المشهد الثالث، البطل يقوم إلى كمبيوتره ويكتب شيئا. المشهد الرابع، البطل يذهب إلى اجتماع على المقهى ويقول فيه،
لقد تحدثنا مع الجماعة وقدمنا لهم مقترحات لكنهم رفضوها.
ما المشكلة فى هذا المسلسل؟
المشكلة الكبرى هى الملل. عدو الدراما الأول. ونتيجته الطبيعية هى انصراف «المشاهدين» عن متابعته.
كيف يمكن إصلاح الخلل؟
القصة نفسها ربما لا تكون «بطالة» أبدا، إنما العيب الحقيقى الواضح فى السيناريو، لأنه لا يلمس روح القصة،
لا يلمس الجوهر الذى من شأنه أن يجعل المشاهدين يتابعون، وينشغلون، ويعودون فى اليوم التالى،
ويتساءلون ماذا سيحدث. السيناريو لا يقدم إليهم وجبة متنوعة من الأفعال الإنسانية، بل إنه سيناريو محدود الخيال،
يخلط بين الدراما وبين الخطابة، فيخبرنا القصة باستخدام أدوات الخطابة،
وليس بجعل الممثلين يعيشونها أمامنا.
وإصلاح الخلل يكون بفعل عكس هذا تماما.
بدل أن نرى البطل يفكر فى غرفته، نريد أن نراه فى الاجتماع مع «الجماعة». أن نرى حواراتهم الجانبية،
وتحركات عناصرهم حول المكان، ونعرف ولو أنصاف أسرار مما يدبرون. ونرى البطل نفسه كيف يتصرف. ماذا يعرف
من هذا التآمر وماذا لا يعرف. ونعرف أنصاف أفكار عن فكرته لمواجهتهم، ونبدأ فى تخمين النصف الآخر،
فنتماهى معه دون أن ندرى. نريد أن نرى شخصيات حية فى هذا الاجتماع. أن نرى شخصا مهذبا منمقا،
لكنه بمجرد أن يخرج من الغرفة نكتشف عنه عالما آخر مختلفا تماما. ثم يعود إلى الغرفة، ونراه مرة أخرى بالعين
التى يراها البطل، فنتعاطف مع البطل فى حسن نيته، وعدم إدراكه للخطر الذى يحيق به، أو ننقم عليه لسذاجته.
نريد أن نرى البطل نفسه هادئا مرة، ومنفجرا مرة. نريد أن نراه ماكرا، كشف بعض الألاعيب وجهز لمواجهتها.
باختصار نريد أن «نعيش» القصة، وليس أن نسمع «الخلاصة» فى البيان الذى ألقى فى المقهى.
نريد أن نفاجئ بالأسرار وهى «تتفتح» أمامنا. نريد أن نقلق، ثم نطمئن، ثم نأمل،
ثم نفقد الأمل، ثم يحيا الأمل مرة أخرى، ثم ننجح، أو نفشل. فى كلمة واحدة.
ما لهذا وما للسياسة؟
يا صديقتى، إن السبب الأول لانصراف الناس عن المعارضة المصرية، هو نفس سبب انصرافها عن المسلسل
الذى ذكرت مشاهده أعلاه. لا يمكن أن ترتبط الجماهير ببشر لا يقدمون للمشاهد قصصا مشوقة.
مثال توضيحى «١»:
فى حواره الأخير كشف د.البرادعى أن المعارضة المصرية اقترحت اسمين لرئاسة الوزراء ورفضتهما الجماعة.
الاسم الأول هو الأستاذ نبيل العربى، والثانى الأستاذ فاروق العقدة. لم نكن نعرف شيئا عن هذين الاقتراحين.
مفهوم. لكننا -كمشاهدين- لم نعرف حتى نصف سر عن هذا الترشيح. يجعلنا نخمن ونترقب.
لم تعمل الآلة الإعلامية للمعارضة لإبراز الشخصين -دراميا- وإبراز مسوغات هذا الترشيح،
دون أن تذكر شيئا عن الترشيح. لم تجعل المشاهدين يترقبونهما، ويريدون أن يعرفوا مصيرهما.
مثال توضيحى «٢»:
فى حادثة اختطاف الجنود، لم تستغل المعارضة حالة الفراغ الصوتى، غياب صوت المواطنين عن الموضوع،
لم تلبس شخصية يجد فيها المواطنون أنفسهم، فى تعاطفهم، فى غضبهم، فى شكوكهم، فى رضاهم، فى نقمتهم.
والمواطنون هنا أقصد بها المواطنين المستهدفين كجمهور سياسى، وليس المواطنين جميعا.
فلا يمكن أن تكون المواطنين جميعا فى نفس الوقت. المعارضة تبدو كـ«ممثل» ضعيف الإمكانات،
ومش عارف يعيش فى الدور، وبيقول الدور كأنه حافظه.
المعارضة المصرية تحتاج إلى طاقم سينما. كاتب وسيناريست ومخرج وماك آب أرتيست إلخ.
تحتاج إلى أشخاص شغلتهم اكتشاف الطاقات وإخراجها. المعارضة المصرية لديها فرصة تاريخية
وهى تواجه منافسين فقراء الخيال، ومملين. ينبغى فقط أن تدرك أن عليها أن لا تنافسهم فى الملل،
بل أن تنافسهم فى التشويق. ليس هذا حلا سحريا، ولا خياليا. هذا مجرد إشارة إلى طريقة فى التفكير.
فكروا بره الصندوق قبل ما البلد تندفن فى الصندوق.
المعارضة المصرية لديها فرصة تاريخية وهى تواجه منافسين فقراء الخيال، ومملين. ينبغى فقط أن تدرك أن عليها أن لا تنافسهم فى الملل