المجتمع المقتنع بالمؤامرة، فى حقيقة الأمر، مجتمع متآمر على نفسه

Admin عدد المساهمات : 5700 تاريخ التسجيل : 05/03/2013

3/6/2013

خالد البرى

أمور كثيرة اختلفت فى حياتنا. لكن أمورا كثيرة تبقى لفترة طويلة.

منها خط الطول صفر. خط جرينتش. لماذا؟

لأنه محمى بإنتاج علمى وثقافى وفكرى آمن، ملكيته الفكرية للإمبراطورية التى أقرته فى عهدها.

وأقام حولها حصونا. وبنى عليها كتابات علمية، وفكرية، وأدبية، ومعادلات رياضية،

ونظريات فيزيائية، واكتشافات جيولوجية.

الحضارة أدب مش هز كتاف.

كل المنتجات البشرية اللى احنا عايشين فيها، اللى لسه بنستخدمها، السبب فى استخدامها

مش إن دولة كانت قوية ففرضتها على العالمين كما يظن البعض. هذا مجرد جانب ضئيل من الموضوع.

إنما لأن القوة دى كانت مرتبطة بقوة فكرية أمنتها. وحتى لو جات حضارات بعدها وحاولت أن تفرض منظومتها،

مش هاتقدر غير إنها تحتفظ بأساسات معينة لغاية ما تقدر تخلى العالم كله يستغنى عنها.

دا المقياس الحقيقى لمدى تقدم حضارة ما. بأى معنى؟

واضح أن الحضارة اليونانية كانت متقدمة جدا فلسفيا وفكريا. جدا جدا. بدليل أنه على الرغم من تعاقب الحضارات،

وعلى الرغم من اضمحلال الموطن الرئيسى للحضارة الإغريقية، فإن العالم لغاية دلوقتى مش قادر يستغنى عن

المسميات الإغريقية. مش قادر يسمى الديموكراسى إلا ديموكراسى أو تنويعة عليها. ليه؟ مرة تانية،

لأنها متحصنة بأدبيات ومنتجات فكرية مبنية عليها. وعلشان تغير اللفظ دا لازم ترجع تغيره فى كل الكتابات

اللى اتبنت عليه. والحضارات العاقلة، الإنسانية، مش محتاجة تعمل كده.. مش محتاجة تغير فقط لأجل التغيير.

بالعكس. دى بتحرص على تكريم المنتج الفكرى السابق بدل ما تحرقه. قامت حضارة فرنسية وبريطانية وأمريكية

وقبلها حضارات مختلفة. وتبقى الديموكراسى على نفس الصيغة اليونانية القديمة.

ومثلها آلاف المفردات فى الفكر الاجتماعى والسياسى.

علشان دا يحصل لازم كمان المنتج يكون إنسانى. لخير الإنسانية. وعالمى. كل إنسان ممكن يستخدمه.

يمكن دا السبب فى إن حضارة زى الحضارة الإسلامية مفرداتها محدودة جدا فى الثقافة العالمية.

الكتب الباقية منها كتب قليلة. من ابن رشد ومن الفلسفة الصوفية ومن ابن سينا ومن الأطباء والفلكيين.

لأن الحضارة دى مالت جدا نحو الكتب التى لا تحمل قيمة عالمية. كتب الطهارة والاستنجاء.

الحضارة نفسها اختارت أن تحتفظ بهذا النوع من الكتب. مش مصدقانى. انزلى معرض الكتاب

ولفى على الكتب «الإسلامية»، وقولى لى كام كتاب هتلاقى لابن رشد وكام كتاب هتلاقى من النوعيا

ت اللى باحكى لك عنها. الموضوع مافيهوش أى مؤامرة من حد بره المجتمع اللى احنا عايشين فيه.

دا قرار المجتمع نفسه. إنه ينشغل بهذه الكتب على حساب الكتب الإنسانية حتى اللى أنتجتها حضارته نفسها.

المجتمع المقتنع بالمؤامرة، فى حقيقة الأمر، مجتمع متآمر على نفسه. أو بصورة أدق،

مجتمع يحمل مؤامرة على العالم كله، لكنها مؤامرة ساذجة، محكومة بالفشل،

وبأن يكون ضحاياها هم أبناء المجتمع نفسه، لا أحد خارجهم. الخطوة الأولى للحضارة

هى الاعتراف لأهل الفضل بفضلهم والبناء عليه. العراك مع طواحين الهواء لن يقود لأى مكان.

» الختان من قبيل العادات لا الشعائر، وأن المطلع على حقيقة الأمر لا يسعه إلا القول بالتحريم.
» أنصتُ إلى اللحن نفسه ..
» أظن أن الأمر يكمن فى الاثنين معا ..