أما ما يبيحه «عقد النكاح» لطرفيه، فالقرآن الكريم يسوق ألفاظه الرفيعة لتهذيب لسان البشر
عند التحدث عن تلك الخصوصيات، فترى القرآن يعبر عن اتصال الزوجين بعضهما ببعض
بألفاظ رفيعة مثل (..أو لاَمَسْتُمُ النِّسَاء..) (6المائدة) وهذا التعبير إخطار للجميع
أن ملامسة الرجل للمرأة غير مشروع إلا بعد العقد الشرعى
ومع النهى عن الملامسة يأتى القرآن بألفاظ أخرى توضح المعنى.
فيقول بلفظ آخر (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (3المجادلة)
وكذلك (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فما رأيك أيها المثقف
فى هذه الألفاظ السامية (لامس/تماس) كذلك يعبر القرآن عن درجة أخرى من درجات تواصل الزوجين
(وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا
كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (187:البقرة).
«فالمباشرة» معناها تقارب بشرة «جلد» كل منهما بالآخر، تلك المباشرة لاتصلح فى مكان
معرض مكشوف للغير، بل لابد من مكان خاص لا يدخله أحد إلا بإذن،
فالأماكن العامة لاتصلح لتلك العلاقة، ولا تنس أن القرآن جعل الزواج الشرعى الكامل «العقد والبناء»
«حصانة للطرفين»، فقد أصبحت العلاقة الجنسية لكل من الزوجين علاقة خاصة بينهما
وكل منهما قد أصبح محصنا لا تباح تلك العلاقة إلا لطرفى العقد.
فالإحصان إما «إستمرار البكارة وعدم الزواج»
(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) (91:الأنبياء)،
(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا
وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (12:التحريم)،
«وإما زواج شرعى» (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ
فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ
وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (25:النساء).
والإحصان كما يظهر من الكلمة هو الحصانة المانعة من العدوان ويريد القرآن أن يبين
«فقه لفظ الإحصان الشرعى»، فيستعمل نفس اللفظ فى الإشارة إلى قوة السلاح التى تحصن الجيوش
والبلاد فيقول القرآن عن صناعة السلاح تلك الصناعات الثقيلة التى علمها الله لنبيه داوود (ص)
(وما جعلناهم» أي الرسل «جسداً» بمعنى أجساداً «لا يأكلون الطعام»
بل يأكلونه «وما كانوا خالدين) (8:الأنبياء).
وزيادة فى حماية «المرأة المحصنة» سواء بالزواج أو بالعفاف قد إعتبر القرآن كلمات السب الجنسى
للمرأة أنها كلمات عدوان تهدد الإحصان، فجعل صدور ألفاظ السب الجنسى جريمة حدية، هى جريمة
«رمى المحصنات» أو «قذف المحصنات».. ورتب لها عقوبة دنيوية وأخروية،
أما الدنيوية فقال تعالى (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (5،6:النور)
أما العقوبة الأخروية فهى عقوبة مستمرة إلى الآخرة (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ
لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (23:النور).
ولا تنتهى الألفاظ القرآنية الرفيعة التى تشير إلى تلك العلاقة الحميمة بين الزوجين،
فبعد ألفاظ(النكاح/ الملامسة/ التماس/ الإحصان/ المباشرة) فها هى ألفاظ القرآن تعبر بلفظ «الرفث»
ولفظ الرفث من «مشترك الألفاظ» أى يعبر عن وجهين متضادين والعبرة بالسياق الذى يحمل
الكلمة فانظر القرآن يعبر بلفظ «الرفث» بمعانى «الكلام والتلميح الجنسى بينهما».
ففى أحكام الحج (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (197:البقرة) ومعلوم أن مباشرة الزرجين
لبعضهما ممنوعة منعا باتا فى حالة «الإحرام» وعلى هذا فــ (الرفث) هنا هو الكلام الخاص
بتلك العلاقة، كما يستعمل القرآن لفظ الرفث بالمعنى «العملى» وذلك فى قوله تعالى
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (187:البقرة)
وهذا معناه أن ما حرمه الشرع فى نهار الصيام قد أباحه فى ليل الصيام.
ومازالت ألفاظ القرآن تُعلم المسلم كيف يكون عفيف اللسان فإنظر كيف يصف القرآن لقاء الزوج بزوجته
حتى تحمل منه (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا
خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (189الأعراف).
ونذكر أيضا أن القرآن وهو يلقن المسلم ضرورة الحرص على دوام الزوجية (
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (21:النساء)
هكذا قد التقى الزوجان وأفضى كل منهما إلى شريكه، وتلك الدرجة من العلاقة تستوجب كلمات قرآنية
خاصة بالإنسان فى أرقى مستويات علاقاته الخاصة المشروعة فما بين الزوجين
(ميثاق/ إحصان/ ملامسة/ تماس/ نكاح/ مباشرة/ غشيان/ إفضاء)
فهل يتعلم الناس كيف يعبرون كما علمنا القرآن؟