07.27.2013
1- الوريث
سقط مشروع جماعة الإخوان فى مصر، هذه هى الحقيقة المرة، التى يحاول قادة التنظيم
أن يتفادوا مرارتها، بصنع مظلومية تاريخية تحفظ تماسك الجماعة.
سريعاً تهاوت أحلام أستاذية العالم، وانتصار الطليعة المؤمنة، على النظم الجاهلية،
بات الجميع يدرك ذلك، وبطبيعة الأشياء لن تفنى الكتلة المكونة والمؤيدة للمشروع الإسلامجى الفاشى للجماعة،
بل سيدمجها الواقع الجديد فى لعبة سياسية جديدة، يفرض المنتصرون شروطها،
مثلما أجبرت انقلابات تركيا الأحزاب الإسلامجية على تعديل برامجها وتغيير القادة المتعصبين،
فأعدم عدنان مندريس مثلاً، وأزيح أربكان، وانتهت النسخة الإسلامجية إلى موديل
يتعايش مع الحداثة نسبياً بشخصيتين جديدتين هما عبدالله جول وأردوغان.
أبوالفتوح فى مصر يدرك ذلك، انتهى زمن الشاطر وبديع ومحمود عزت، من
«لم يحافظوا على ملك الجماعة بعد عام واحد من حلم التمكين» والطريق مفتوح أمامه ليعيد
مجد السبعينات، كمؤسس ثانٍ للتنظيم بعد البنا، ومن هنا يغازل كتلة الجماعة المجروحة،
فيحضر اجتماعات خارطة الطريق ثم يكتب «نظام مبارك على وشك العودة»،
وعندما تحدث مجزرة «الجمهورى»، يطالب الرئيس المؤقت بعد ساعات من توليه الحكم بالاستقالة،
وفيما تتورط تنظيمات إرهابية فى تفجير وقتل مدنيين ساقهم رزقهم المر،
إلى استقلال حافلة فى صحراء سيناء، يدين أبوالفتوح العملية،
ثم يقول إن «أمن المواطن مسئولية السلطة».
وفى التفاصيل معارك تبدو أن مهمتها التعطيل، مثلما شن هجوماً حاداً على الإعلان الدستورى،
وهو يعلم أن فترة صلاحيته أربعة أشهر فقط، وكان الأولى بالهجوم مَن أمر شباباً صغيراً
بالوقوف مسلحين بالآلى لحماية مكتب الإرشاد يقتلون المارة،
أو من يهددون بإحراق مصر ويستدعون الأجنبى.
لا أن يصبح أبوالفتوح نفسه طرفاً فاعلاً فى مفاوضات الخروج الآمن للمتهمين بالقتل
والترويع برفقة زميله الإصلاحى القديم محمد على بشر.
٢-
العائدون من الشتات
مواقف أبوالفتوح الحانقة على القيادات الإخوانجية، الباكية فى الوقت ذاته على المشروع،
لا تمثل ارتباكاً بقدر ما تعنى محاولة لم شمل الفاشية الدينية، فى حلة تبدو عصرية؛
فالسياسى الذى حمّل الجيش مسئولية الحرس الجمهورى أغفل أن من سمات رجل الدولة
انتظار التحقيقات، فربما كان القتل على خلفية محاولة اقتحام لمنشأة عسكرية،
وربما كان الاقتحام مسلحاً، ويفترض أن تعبر مواقف السياسى الذى يقود حزباً عن رأى حزبه،
لا أن ينفرد بتصريحات ومواقف تدل الاستقالات الجماعية فى الحزب على أنها فردية ومفاجئة.
يدرك أبوالفتوح أنه الوريث القادم للجماعة، فلن يتحمل المجتمع تركة السلفيين المضادة للحقوق الحريات،
ولا أوهام التنظيم العابر للوطنية، المتورط فى العنف، فيقدم الرجل نفسه كبديل يبدو حداثياً،
يذكر شباب الجماعة بماضيه السبعينى، بعد محنة الستينات، ويقول للكتلة السلفية إنه الوحيد الباقى
من المشروع الإسلامى، ليقفوا خلفه، مثلما دعموه فى انتخابات الرئاسة، وتبقى فى كتلته شرائح
المنشقين السابقين عن الجماعة لأسباب تنظيمية،
ومن لا يزالون مفتونين بفكرة السياسى الأخلاقى.
كما يقدم نفسه للعين الأمريكية كوريث ينقذ استراتيجيتها فى التعامل مع الربيع العربى بعد سقوط الجماعة،
ومن هنا ذهب منذ أشهر لقطر يعمد نفسه بديلاً أمام القرضاوى عندما اهتز الكرسى تحت مرسى.
نظرياً، مشروع «مصر القوية» مؤهل لوراثة الإخوان، مثلما كان مشروع «الوسط» مؤهل لذلك أيضاً،
قبل أن يتحول ممثلوه إلى أخصائيى تهوية على نزوات خيرت الشاطر السياسية.
عملياً، يبدو أبوالفتوح، وريثاً غير جدير بمهام الإصلاح، فإلى جانب افتقاده لسمات رجل الدولة،
لم يقدم مراجعات حقيقية مقنعة لأفكار الجماعة القاتلة للديمقراطية، ومنها؛ كيفية تعايش الحياة السياسية
مع تنظيم سرى، غامض التمويل، لم يحل معضلة التنظيم الدولى وتعارضها مع فكرة الوطنية،
لم يقل لنا مصير المرشد ومكتب الإرشاد فى مستقبله السياسى، ما طرحه المستقل
لما يعرف بمشروعات تمكين الجماعة واختراق المؤسسات على حساب الكفاءة،
أو على حساب القوى السياسية الأخرى.
نعم، أبوالفتوح ليس على علاقة تنظيمية بجماعة الإخوان، لكنه خرج منها ومؤمن بهذه المبادئ،
وكان عضواً فى مكتب إرشادها لسنوات طويلة، ودخل السجون مع قادتها الكبار.
نعم، كان مهمشاً لسنوات، لكن الصراع مع كبار الجماعة لم يكن على المشروع،
بل على تفاصيل زعامة القطبيين، ثم حلمه فى الرئاسة.
مشكلة أبوالفتوح الكبرى مع الجماعة هى مشكلة جيل رأى نفسه السبب فى إحيائها
ثم سرقها منه العواجيز القادمون من شتات عبدالناصر.
يظل أبوالفتوح ابن المشروع الإخوانجى الفاشى، الذى يقدم نفسه كمحتكر لأخلاق السياسة،
يضيق باحتكاره حتى من اقتنعوا ببرنامج حزبه، فتوالت الاستقالات.
ذات مرة قال لى القيادى المنشق عن الجماعة مختار نوح إن الإخوانى يحتاج لسنوات بعد ترك الجماعة
كى يشفى من الاستبداد، وهو نفسه (نوح) مرّ بما يشبه الأعراض الانسحابية لإدمان الاستبداد،
والتخلص من فكرة احتكار الأخلاق والحقيقة، لأن الإخوانى يتناقش مع قرينه بناء على تكليف،
وقد يتناقش أياماً ثم تلقى الجماعة نتاج نقاشه فى القمامة، كما يعلو معه خلال رحلة تربيته
داخل التنظيم شعور الاستعلاء على الآخر فى الخارج، فتتراجع قدرته على تحمل الخلاف.
أبو الفتوح لم يتحمل أعراض الاستبداد الانسحابية، وانتكس يحن لوراثة الجماعة.
لكن لسوء حظ أبوالفتوح أن حنينه تزامن مع لحظة تلفظ فيها مصر الفاشية الدينية،
وإن ارتدت زى الدعاة الجدد، وبدت لحيتها عصرية، وهى لحية قد تجبرها ظروف
التحالف السياسى على الإطالة، مثلما تحالف الإخوانجى الناعم مع السلفيين بكل أطروحاتهم
المعادية للحداثة، وقد تبدو اللحية «ستايل مودرن»، أمام الباحثين عن زواج
غير متكافئ بين الإسلام السياسى والعصر.
أبوالفتوح كمشروع إصلاح إخوانجى سياسى لا يختلف تلونه كثيراً عن مشروع خالد عبدالله، فى الدعوة،
فالأخير بدأ «داعية روش»، يظهر أنيقاً فى برنامج هالة سرحان، يسهل الدين أمام الراغبين
فى رحلة روحية تريحهم من عناء التصوير، وعندما بهتت موضة الدعاة، ظهر كسلفى متشدد،
يقدم نفسه لنظام مبارك كعدو للمعارضة، وبعد وصول الإخوان للسلطة
زايد على التكفيريين وانتهى مكفراً للجيش وطاعناً فى الأعراض.