07.28.2013
خالد البرى
فى طريقى من التحرير إلى البيت تحدث إلىّ سائق التاكسى عن أسرته وابنته الصغيرة
التى يشاركها نشاطات مدرسية أثبتت فيها موهبتها، وعن نشاطاته الاجتماعية فى شبرا حيث يسكن.
أسرع بسيارته فى شارع الدقى لكى نمر من اعتصام النهضة قبل أن تتزايد أعدادهم بعد الإفطار
فيسدون الطريق إلى شارع مراد. وتطرق الحديث عن الإخوان. وقلت له إننى لا أفهم ماذا يريدون.
المصالحة على قاعدة نبذ الإرهاب والعمل الميليشياوى والتنظيمات غير القانونية ومحاسبة المخطئين
هو ما كانت اتفقت عليه القوى السياسية من البداية. أو هكذا فهمنا.
ونحن الآن نريد أن نؤكد على هذا. «طبعا كنت أتحدث بلغة أبسط من هذا كثيرا».
السائق، الذى بدا لى موظفا حكوميا يعمل عملا إضافيا، سألنى بمنتهى الهدوء،
«يا افندم لو عندك مزرعة دواجن أو أرانب، وظهر فيها وباء، بتعمل إيه؟».
توجست من السؤال فسكت ولم أجبه. وواصل هو حديثه، «بتعزلهم وتبيدهم يا بيه. لازم»،
ثم استغل زحمة ميدان الجيزة لكى يشرح لى نظريته وهو قادر على النظر نحوى والإشارة بيده
أو اليدين حسب مقتضيات الجملة، «يعنى لازم نقفل على نفسنا، ونخلى لا أمريكا ولا حد يحس بينا،
وبعدين طيارتين من دول»، رسم بيده وأصبعه دائرة تحلق فوقنا، «واحدة فى رابعة
وواحدة فى النهضة يرموا قنبلتين ويخلصونا، وبعدين يمسكوا القيادات
بتاعتهم المستخبية جوه الجامع ويحاكموهم».
أنا طبعا اسبهليت، ووجدتنى أرد بطريقة أقرب إلى الهستيرية، «إيه اللى بتقوله دا!
أرانب إيه وفراخ إيه وقنابل إيه! دول إخواتنا يا عم! ودى بلدنا كلنا. إحنا عايزين
قانون يمشى على الكل. اللى يرفع سلاح هيترفع عليه سلاح. واللى يحرض على العنف يتحاكم».
ثم سكتّ تماما، لم أقل كلمة واحدة حتى وصلت إلى البيت، وتركته يكمل حكاياته عن نشاطاته الاجتماعية،
واحترامه لأتباع كل الأديان السماوية ما عدا اليهودية (!) إلخ.. إلخ.
السؤال هنا: ماذا لو أخرجنا الأجهزة الأمنية للدولة من المعادلة؟ هل سيحقن هذا الدماء
أم سيجعل النزيف أكثر؟ هل المشكلة فقط فى أجهزة الأمن أم فى الفاشية الشعبية
التى تأتى بممثليها إلى السلطة، حتى بالديمقراطية. ثم السؤال بصيغة أخرى،
حين نقول تجفيف منابع الإرهاب، وهى نفسها منابع الفاشية مع بعض الرتوش، ماذا نعنى؟
هل نحن فعلا على استعداد لتغيير قيمنا، ورؤيتنا للحياة، وطريقة تفسيرنا للدين،
ومفردات علاقتنا بالسلطة، ومفردات علاقتنا بالوطن، وطريقة تعليمنا؟!
إن المتخوفين من نمو فاشية عسكرية كنتيجة لصراع مع الفاشية الدينية محقون، محقون تماما.
لكنهم يجيبون دائما على السؤال الخطأ. يعتقدون أننا ننتظر «حكمهم» على أفعال
هذا الطرف أو ذاك. ليست هذه الحقيقة. إنما ما يحتاج إليه الناس الآن هو اقتراحات.
كيف نتصرف. ما البديل السياسى؟ كيف نثبت للناس
أن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان قادرة على حمايتهم.
هل هذا عسير على الفهم بالنسبة للمشتغلين بالعمل السياسى والملتحقين به؟!
تخيلى نفسك إنسانة حكيمة فى قرية، يأتى إليها الناس ليسألوها، وتجاوبهم.
كل مرة تقول لهم إن هذا خطأ وهذا خطأ. لكن حين يسألونها ماذا نفعل، ترد بأنها لا تعرف،
أو فى أحسن الأحوال ستقول «كان أحسن». ستتحولين من حكيمة القرية إلى عبيطة القرية.
إن موقع القيادة فى مقدمة الصفوف إشارة إلى موقع القيادة من الزمن. بمعنى أن القيادة
يجب أن تكون فى مقدمة يومنا الحاضر، على الحد الفاصل تماما بينه وبين غد.
إن كانت كذلك سيقبلها الناس، وقد يسامحونها على بعض أخطاء.
أما إن تراجعت إلى الصفوف الخلفية، ودعتهم إلى البقاء إلى جوارها.
أما إن تركت الآخرين يتحسسون طريقهم بين اليوم وغد
واكتفت بالتعليق على أخطائهم. فلن تجنى منهم بعد قليل إلا التجاهل.
فى التعامل الأمنى مع أزمة الإرهارب لا بد للموقف السياسى أن يسير فى مسارين متلازمين.
لا يمكن الفصل بينهما. كما لا يمكن التركيز على أحدهما دون الآخر.
أولهما حتما هو نزع الغطاء السياسى عن الإرهاب، بتجريمه وتجريم الحض عليه.
بلا أى استدراك. وثانيهما، مراقبة التزام قوات الأمن بالقانون، وانتقاد اختراقها للقانون
وليس انتقاد مهمتها من الأساس. ومطالبتها بإعلان قواعد تعاملها، الخيارات التى تتيحها للجموع
التى ستتعامل معها. و«قواعد الاشتباك» فى حالة استخدام أسلحة.