محمود عبد الشكور
«ما عنديش غيره، ابن بطنى، أبوه سابه لحمة حمرا، قلبه زى البفتة البيضا،
بس بذمّتك الظروف خلت حاجة على حالها، ما هو برضه عنده بيت، وجاب لى أعز الولد،
ما فيش حد فى حنيّة عبد الحكيم، وأنا ست كبيرة وعايزة أساعده،
صدقنى مافيش مخلوق فى حنيّة حكيم».
«عارف زمان، يعنى ييجى كده من عشرين سنة، كان لازم يجيب لى معاه من المدرسة حاجة،
مرة حبّ العزيز، ومرة توت، وساعات حرنكش أو بلح، ديك النهار قال جايبلى معاه دومة،
طيب أنا عندى سنان يا وليدى، ما كانش بياخد شاندوتشات زى زمايله، الملاليم اللى بياخدها
كانت رايحة على الحاجات دى، عشان كده تلاقيه زى عود الكبريت، بس ناشف وجامد، ما يغرّكش المنظر،
لما خد الدبلون قلت خلاص فرجت، من ساعتها وهوّ معايا بيبيع جرايد».
«يصحى بدرى يجيب الربطة على العجلة، نستنّى أنا ومراته والواد تامر، دايما يتعصّب حكيم،
لازم تكون فيه غلطة فى العدد، أىّ جرنان بيفرق معانا، دايما رايح جاى ينقل
المجلات والجرايد والكتب، مش لو كان يعرف حد كان اتعين بالدبلون، إن شالله فى مدرسة،
أمّال كنت باعلّمه ليه؟ بس وكتاب الله المجيد، حكيم ده ما فيش منه اتنين، مش علشان ابن بطنى،
ساعات الأمهات بتخلّف شياطين، بتتمنى لو فطّسته قبل ما يشوف الدنيا،
حكيم جدع وابن حلال، زىّ أبوه تمام».
«أيوة كنت بابكى لما سمعت الخناقة، صحيح صعبت علىّ نفسى قوى، بس حكيم صعب علىّ أكتر،
الجرايد بقت ملخبطة، وعنىّ ما عادتش تشوف، إيه اللى جرنان بجنيه والتانى بجنيه ونص
والتالت بميّة وتسعين قرش؟، يادوب باعرف أفرّق بينهم، والناس ما عندهاش ذمة ولا ضمير،
يعنى ح تكسب إيه لما تغالط فى نص جنيه؟ ربنا لا يباركلك فيه، ح ياخده منك سواق الميكروباص،
تقبل على نفسك تسرق ناس شقيانة؟ وكتاب الله المجيد صعب علىّ حكيم أكتر منى،
صحيح يعنى شخطة الواد فى أمه صعيبة، زى بصّاية النار، لكين هوّ معذور،
نص على ربع على بريزة تبقى الشغلانة مش جايبة تمنها، وبعدين أنا لما شتمته من غلبى سكت
وحط عينه فى الأرض، أصله حسيس من يومه، لما يكون ما فيش فى البيت حاجة، كان يقوللى
إنه طالع يقعد مع صحابة، وأنا عارفة إن ما فيش صحاب ولا حاجة، بلاقيه قاعد مع الصعايدة
اللى مستنيين شغل فى الجنينة، رجالة تمام، أجدع من ميت بدلة من اللى شايفهم».
«طيب أحكيلك حكاية، مرة واحد ملو هدومه، بدلة ومنظر، اشترى منى ييجى ست سبع جرايد على مجلات،
إدانى عشرين جنيه، قلت شروة زى دى لازم آخد بالى منها، زبون تانى الله يستره قاللى
تمن كل حاجة، حسبناهم بالمليم والسحتوت، دفع الراجل عشرين جنيه، لما جه حكيم
وشاف الفلوس، وشّه ضرب ميت لون، زعّق ولمّ الناس، وأنا كنت أعرف منين إنى الفلوس مضروبة؟
هىّ الثورة دى جات عشان الحرامية تسرق الغلابة تانى؟ ما سكتّش،
صوتنا كان جايب لآخر الشارع، آخر النهار لقيت حكيم عينه فى الأرض، قاللى وهوّ مكسوف:
«سامحينى يا امّه.. الشارع واسع صحيح.. بس المعايش ضيّقة»،
تصدق بالله الكلمتين دول عندى بالدنيا، من يومه حنيّن، مش كان زمانه بيشتغل فى مدرسة؟».
«صابرين؟ ربنا يباركلها، مننا وعلينا، دايما تقف معايا، أصيلة وبنت حلال، حكيم
ما كانش عايز يتجوّز، كان عايز يسافر، أى حتّة، ليبيا الكويت العراق إن شالله إسرائيل،
كان يقوللى هوّ احنا لاقيين نصرف على نفسنا، بس صابرين جدعة، بستين راجل،
بتساعد على قدّ ما تقدر، مرة كان حكيم عيّان، شالت معايا الشيلة كلها،
ناصحة بتعرف تقرى وتكتب، أم تامر غلبانة وشاطرة، لا أم ولا أب، لو حكيم لف الدنيا
ما حيلاقى أحسن منها». «تامر ده ابن الشارع كله، الواد طالع عِشَرى مش خلقُه ضيّق
زى أبوه، ده يجيب له حلاوة، وده يشتريله شيبسى، محبة والله مش شحاتة،
لو كنا عايزين نشحت كنا عملناها من زمان، الحالة زفت زى قبل الثورة تمام،
اللى بيضايقنى إن حكيم يقعد يتكلم مع الزباين، مالك إنت واللى نجح
واللى سقط واللى بقى وزير؟ الناس دى أصلا ما تعرفناش،
وحكيم على نيّاته وبيقرى الجرايد، اشترى من الزبون وما تبعْش، حد عارف مين دول،
ولّا عايزين إيه؟ معلش ما تزعلش، بس فيه ناس زى الفل، يعنى مش كل الزباين.....»
«ما بيفتكروناش إلا أيام الانتخابات، عاملين كمان تحفيظ قرآن وحاجات كده، مستورة دايما
لو ما وقعناش مع نصابين ولاد حرام، بس برضه حكيم عايز يتعين فى مكان،
ويسيب الفرشة لصابرين، ويمكن الواد كمان يشتغل شوية لما يكبر، هوّ مرتب ما يجيبش حاجة،
بس يعنى الناس كلها اتعيّنت بعد الثورة، هُمّ القرشين بتوع حكيم ح يفلّسوا البلد؟
ربنا يتاقى عليه وعلى عياله، سُمعتنا زى الفل من ساعة ما اشتغلنا، فيه ناس بتبيع الجرنان
بأكتر من تمنه، واللى مش عاجبه ينزل البلد، إحنا بقى ما بنلحقش نبيعه بتمنه،
شفت الخيبة بالويبة؟ شكلها ح تشْتى....». فرشت أم عبد الحكيم الغطاء الشفّاف
فوق جرائدها بمنتهى النشاط، لحظات ثم تساقطت قطرات متباعدة من الأمطار،
وسرعان ما انهمرت زخّات متتالية، زاط الناس وأخذوا يهرولون فى كل الاتجاهات،
وكأنهم يهربون من عدو غير مرئى، على مدد الشوف، لاحت أم تحمل طفلها،
غطت رأسه بحركة لا إرادية، فشد حجابها إلى الأمام تقليدا لحركتها،
ابتسمت، وابتلعهما الشارع الواسع.
الرئيسية 
