07.30.2013
طارق رضوان
بعضا من الهدوء نحتاج، لنعيد النظر فى ما جرى وفى ما يجرى داخل مصر وفى ما يجرى حولنا،
فالصورة تبدو ضبابية لكثيرين. ما يدور علينا أن نفك طلاسمه ونعيد ترتيب الأوراق والأحداث
ونفك الرسائل المشفرة لنفهم. مصر كانت تحت حكم الإخوان تقسم إلى قطع لتباع،
إما مجانى وإما بمليارات تدخل خزائن الجماعة، حلايب وشلاتين إلى السودان
وشريط حدودى طوله 350 كيلو متر بعمق 7 كيلو مترات على الحدود الشرقية
إلى أهل غزة ضمن اتفاقية تبادل الأراضى. وقناة السويس تعود ملكيتها إلى الشركة العالمية
لقناة السويس، والاقتصاد والأرض والعقارات لتركيا وقطر. وهكذا كان طريق الأمة
تحت حكم الإخوان مباحة تماما وكل أسرارها العليا كانت تباع إلى بلاد أخرى تركيا وأمريكا
وإنجلترا وألمانيا وقطر. وأول المتورطين فى تلك الجرائم هم مرسى وأحمد عبد العاطى
وأسعد الشيخة. الأوراق التى تم ضبطها فى مكاتبهم فى قصر الاتحادية مرعبة والأيام القادمة
ستكشف الكثير والكثير من المصائب والكوارث التى لا تصدق مجموعة من اللصوص والخونة
والمرتزقة كانوا يحكمون مصر، لذلك كان على الدولة بكل أجهزتها الوطنية
تحت قيادة الجيش ووراء الشعب كان عليها أن تتحرك سريعا لإنقاذ البلاد من الضياع لسنين
عديدة قادمة، وهو ما لم يصدقه الإخوان ولا الغرب المستفيد الأول والأخير
من وجودهم فى الحكم، وانكمش الإخوان وكل التيارات الإسلامية الموالية فى ميدان رابعة العدوية،
وعلينا أن ننظر جيدا إلى الميدان من هم على وجه التحديد؟ من فى رابعة لا يتعدى
عدد الإخوان فيهم الربع، فهم مجموعة قيادات الإخوان الباقين خارج السجن ومعهم شبابهم
ومجموعة السلفية الجهادية ومجموعة أتباع مجاهدى لندن ومجموعة تنظيم القاعدة
ومجموعة تنظيمات جهادية متفرقة حديثة النشأة والمرجعية وأخيرا أتباعهم من السلفيين
المتعاطفين والجميع كانت له مصالح أن يبقى مرسى وأتباعه فى الحكم غطاء لكل تحركاتهم
واتصالاتهم بالغرب، وهم دائمو الاتصال منذ سقوط مرسى بكل السفارات الغربية الأمريكية
والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والقطرية والتركية والكندية، محاولين
أن يثبتوا أن ما حدث هو انقلاب عسكرى ولا بد أن يتدخل الغرب لإنقاذ البلاد
وكل يوم يرسلون شرائط وسيديهات لقتلى لهم سقطوا فى الميادين
والمسيرات السلمية دليلا على فاشية المؤسسة العسكرية.
بعض السفارات استجاب للاستماع لهم ولم يبد أى رأى تحت حجة لا بد أن ترسل كل التقارير
والصور والأفلام إلى بلادهم للرد عليها، وهناك سفارات لم تعط أى ردود كالسفير الفرنسى
نيكولاس دالى الآتى إلى مصر وقطته السيامى فى حضنه، وبمرور الوقت قل الاهتمام
بما يقوله الإخوان حتى إن السفيرة الأمريكية التزمت سفارتها لا تتحرك ولا تقابل أحدا
ولا ترد على تليفونات الإخوان المتتالية والملحة، فقد لمست تصميم القيادات المصرية
بالسير تجاه خارطة الطريق التى وضعتها القوات المسلحة والشعب يساندها بكل طاقاته.
وهنا ولأول مرة منذ فك الاشتباك الأول فى حرب 73 يُتخذ قرار وطنى مصرى خالص
دون ضغوط وحسابات تنظر صوب البيت الأبيض لتنال رضاه أو تنال التفاوض معه،
كما كان يريد السادات، وهو ما يثير أعصاب الأمريكان، لأنهم لا يريدون أن تتكرر مأساة
عبد الناصر من جديد، الذى كان يضع عصاه فى عجلة مصالح الإمبراطورية الأمريكية فى المنطقة،
كانوا قد أعدوا العدة فى تغيير وتطويع العقل المصرى، وقد تلاحقت المؤتمرات
والندوات واللقاءات، ولم تكن فى معظمها لوجه المعرفة، لكنها أصبحت وسيلة لكسر حواجز
ولإقامة علاقات، ولنقل توجهات وصياغات، بل وتعبيرات تجرى على الألسن فى البداية،
ثم تستقر فى الأفهام والعقول وتنعكس فى التصرفات حتى تؤثر فى القرارات.
وكانت مؤسسات روكفللر وفورد وكارنيجى وراند، وهى مؤسسات للتفكير والبحث الهدف منها
هو الترويض والتطويع حتى يتأكد الاستيعاب وكان الشباب هو الهدف، وهم معروفون بالاسم،
أحدهم يضع الأمريكان له فى البنك المركزى شهريا 16 ألف دولار كمصاريف،
وبعضهم نجوم فضائيات، لكن الأخطر منهم لا يعرفه الكثيرون ويجيدون التخفى عن عيون الكاميرات
الفاضحة، جميعهم تجده على طريق واحد، وإن اختلفت التيارات من دينية - إخوان وسلفية -
أو يسارية أو ليبراليية أو علمانية، الكل له طريق واحد يبدأ من واشنطن
وله مجموعة أهداف، أولها وأهمها وأخطرها هدم فكرة الدولة بمعانيها القديمة
ودفن دورها الإقليمى العربى وإبعاد الجيش عن المشهد السياسى تماما، لأنه المؤسسة الوطنية
الوحيدة التى تملك القوة وتملك صك الوطنية منذ نشأتها بتكوينه الجديد الذى وضعه كبيرهم
جمال عبد الناصر، وما قام به القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسى
ما هو إلا انتشال للأمة من منحدر خطير لا يعلم إلا الله إلى أين كان القاع،
وهو ما جن جنون الأمريكان، وما زاد جنونهم هو معرفتهم بدخول جهاز روسى جديد
على الطائرة الأباتشى، يكشف بدقة متناهية عن طريق أشعة حرارية وجود أفراد على الأرض
يحصى عددهم ومكانهم لتسهيل ضربه، وهو ما بث الرعب فى الإدارة الأمريكية.
أنْ تنوِّع مصر مصادر سلاحها عن طريق روسيا أو الصين، وإن كان لن يتم إلا بعد موافقة الأمريكان،
شرطى الحراسة والنقل فى العالم، لكنها تخاف من الصفقات السرية، مما يجعل القرار المصرى
مستقلا وطنيا، وهو ما تعيشه مصر الآن الطريق إلى الوطنية. علينا أن نستمتع باللحظة
ونتمسك بها إلى النهاية ونفخر بعبد الفتاح السيسى ورفاقه، ولا نفرط فيه.