08.03.2013
خالد البرى
هل تذكرين هذا النوع من الأصدقاء فى المدرسة أو الجامعة. مهذب، متفوق، عنده ميول للشيطنة لا يمارسها،
وحين يحكى عن شيطنته يبدو مبالغا. إنما هو فى الحقيقة مهذب جدا، ومن الصعب تصديق أنه يكذب.
ربما يحب الكلام أكثر من اللازم، يحكى عن المجهود الذى يبذله فى المذاكرة، وعن حجم استعداده للامتحان القادم،
كيف أنه ذاكر الدرس خمس مرات، وحل جميع الأسئلة اللى عليه فى الكتاب الخارجى.
لكنه فى الامتحان القادم لا يحصل على الدرجات التى أوحت بها حكاياته.
لم يكن فاشلا. إنما حصل على درجات تحصلين أنت أو غيرك من الأصدقاء عليها بنصف هذا المجهود المشار إليه.
بعد أشهر من بداية السنة ينزلق صديقك خطوة خطوة عن دائرة المتفوقين التى حاول إلحاق نفسه بها.
مرة أخرى، لا ينزل إلى دائرة الفاشلين، بل يبقى فى منطقة راغبى التفوق الذين لا يدركونه أبدا.
مجموعة «مش ممكن، مستحيل، أكيد فيه حاجة غلط». إى نعم.
هؤلاء الذين يشتكون دائما أن المدرس اضطهدهم، أو لا بد أن شيئا خطأ حدث فى أثناء التصحيح.
يأتى آباؤهم إلى المدرسة للشكوى. مرة، اتنين، تلاتة. ثم يفقدون الأمل.
أنت أيضا تستمعين إليهم، مرة، اتنين، تلاتة، ثم يصيبك الملل.
فى إحدى مراحل تطورهم ينقلب هؤلاء الأصدقاء عليك لو كنت متفوقة.
يوحون لك أنه لا بد من سبب وراء تفوقك غير استحقاقك لهذا التفوق. لا يصرحون بذلك،
إنما يوحون به. «الظاهر علاقتك كويسة بالمدرسة الفلانية يا فلانة». «إنت بتذاكرى إمتى،
دا أنا كل ما اتصل بيكى فى البيت ألقاك مش موجودة».
تستغربين أنهم يتهمونك اتهامات كهذه إن وصلت إليك. لا تحزنى.
غرضهم الأساسى لم يكن التشكيك فى ضميرك أو أخلاقك.
بل يريدون التشكيك فى قدراتك. هذه وسيلة دفاعية حتمية.
هم أيضا لديهم قدرات، إنما لا يلتفتون إليها. لأنهم مشغولون بغيرهم، ومصممون على أنهم أفضل فى كل شىء.
هؤلاء الناس، مثلا، يصلحون جدا فى مجال مندوبى المبيعات.
الثقة التى يوحى بها كلامهم، قدرتهم على الترويج لما بين أيديهم، قدرتهم على صياغة مرافعة،
وكذلك رغبتهم التنافسية، كلها قدرات يتمنى كثير من أصحاب الموهبة الحقيقية لو كانت لديهم.
تكبرين ويكبرون. لا يزالون فى انتظار الموقع المهنى الذى يليق بهم، أو المشروع الاستثمارى
الذى تختمر فكرته فى أذهانهم، أو التغيير السياسى الذى سيزيل الفساد ويعطى الأمر لمستحقيه،
ربما يجهزون للرواية التى ستكسر الدنيا، أو الفيلم الذى سيكون علامة.
سيظلون يوحون دائما بأنهم جواهر، لم يدر الناس قيمتها.
سينشغلون بالتعليق على كل فعل يفعله شخص حولهم، والتعديل عليه.
لو فعلت هذه كذا لكان الفيلم أحسن، لو فعل هذا كذا لكان شكل الدولاب أحلى،
لو ولو ولو. سيتحولون إلى وعاظ متطوعين.
هل تعرفين مقولة إن «الأطباء النفسيين فى الأصل مرضى نفسيون»،
أو إن «الناقد فى الأصل فنان فشل»، وما يشبههما؟! هذه المقولات ليست صحيحة.
ففى كل مجال مبدعون عملوا فيه حبا فيه. إنما منشؤها ما لاحظناه كبشر،
أننا نحب أن نظل على علاقة بما فشلنا فيه، وأن نحتفظ بحقنا فى التعليق عليه،
وأن نحتفظ بالأمل فى أن ندركه يوما. بل وأن نمعن فى إخفاء الحقائق المزعجة حتى على أنفسنا..
هذا جوهر شخصية الوعاظ (فى أى مجال).
أكثر الشخصيات انتشارا فى المجتمعات الفاشلة، المحدودة الفرص، المفتوحة الأفواه.
الرئيسية 
