بعد أن خلق الله الحياه وسارت الدراما بآدم ورفيق عمره إبليس إلى مفترق الطرق
الذى وجدا نفسيهما فيه فى موقف الأعداء.. تذكرا لعبهما ومرحهما وهما لا يزالان طفلين عبيطين..
تذكرا مرحهما معا فى حدائق الجنة وسط حماية الملائكة التى لا يمكن إختراقها..
تذكرا سباحتهما معا وبلبطتهما فى بحور العسل والخمر وسط حماية ربانية من الغرق..
لم يكونا يعلما وقتها الأمر الذى يتم إعدادهما له ولا الخطة التى سوف تقتضى منهما
أن يتحولا من حالة الإخوة والمحبة إلى تلك الحالة الأزلية السرمدية من العداوة والبغض
والرغبة فى إيذاء أحدهما الآخر.. لم يكونا يعلما التجربة العلمية التى هما بصدد أن يكونا
المكونين الرئيسيين فيها.. لم يكونا يعلما بعد المسرحية التى هما
بصدد القيام بدورى البطولة الرئيسيين فيها.. لم يكونا يعلما شيئا..
حتى جاء المشهد الرئيسى فى الحكاية والماستر سين السينمائى الذى سوف تبدأ معه لعبة الدراما
لتتم صناعة الحبكة الدرامية الأولى فى تاريخ ما قبل التاريخ ويتم خلق الموقف الرئيسى للصراع
والذى سوف تتم على أساسه فيما بعد صياغة ما يسمى بقواعد علم الدراما والتى يأتى على رأسها أنه..
بدون صراع ليست هناك حكاية.. تلك هى المسألة بمنتهى البساطة..
تلك هى زتونة الدراما الرئيسية.. إدينى صراع تاخد دراما !
لذلك.. ليس موقف آدم وحواء والتفاحة والهبوط الذريع على أرض التعاسة
وليس ذلك العقاب الجماعى لنا جميعا سوى الحبكة الثانية فى الصراع.. وليست الأولى..
ذلك الموقف ليس سوى نقلة درامية فى مستوى الصراع من مستوى أدنى إلى مستوى اعلى
يقود إلى نقلة درامية جديدة ومتقدمة فى الحكاية.. إنها الحبكة الدرامية الثانية
التى قادتنا إليها الحبكة الدرامية الأولى.. آدم وإبليس يقفشوا على بعض..
فيصدر العقاب الإلهى على إبليس بطرده من الجنة وبالإستمرار فى الوسوسة لآدم باقى عمره..
إبليس يوسوس لآدم وحواء بأكل تفاحة الشهوة المحرمة.. فيصدر العقاب الإلهى على آدم وحواء بالطرد من الجنة
وبالإستمرار فى محاولات الهروب من وسوسات إبليس الأزلية باقى عمرهم..
الآن الجميع - إبليس وآدم وحواء على الأرض – إستعدادا للنقلة الثالثة فى الصراع..
إستعدادا للحبكة الدرامية الثالثة المتمثلة فى قتل قابيل لأخيه هابيل تحت تأثير شهوة الحقد والغضب..
الآن نستطيع أن نقول أن الدراما تسير فى طريقها الصحيح.. الصراع يتصاعد بعبقرية غير مسبوقة..
الشخصيات جميعها فى الحكاية تمتلك دوافعها الخاصة لإتيان الأفعال والتصرفات الخاصة..
إلا أن المشكلة الرئيسية فى لعبة الدراما تبرز إلى السطح.. فبعد إنتقال موقع الحدث ولوكيشن التصوير
من الجنة إلى الأرض بات لزاما على أحد ما أن يتولى تدوين فصول الحكاية.. والخروج منها بعلم ذو قواعد ثابتة
لن نستطيع للوهلة الأولى ملاحظة أنه العلم الرئيسى الذى تعتمد عليه لعبة حكايتنا
وتجربتنا البشرية الدرامية فى الأساس.. علم الدراما.. وهنا يجىء دور النقلة الجديدة
على مستوى الصراع إنتقالا إلى الحبكة الدرامية الرابعة فى الحكاية.. إبتكار الكتابة..
الكتابة كانت هى وسيلة أبناء آدم الوحيدة لإستمرار تواصل الحكاية بين بعضهم البعض
وأيضا لإستمرار الصلة بين السماء والأرض عبر إصدارات مختلفة من كتب سماوية متعددة أملاها الرب من السماء
على أنبيائه وأبناؤه على الأرض.. الكتابة كانت هى الوسيلة الأهم من وسائل إستمرار الجنس البشرى
على قيد الحياة.. الكتابة هى اساس كل العلوم وكل النظريات وكل الفنون
وكل الأبنية وكل الهندسة وكل الدراما.. وخلف تلك الكتابة يقف ثلاثة.. ثلاثة صاغوا بأدوارهم الرئيسية
وبصراعاتهم الخاصة وبنقلاتهم الدرامية قصتنا التراجيدية وفيلمنا المأساوى وأغنيتنا الحزينة..
الأب آدم والأم حواء والعم إبليس.. هؤلاء الثلاثة هم أساس حكايتنا..
والكتابة هى الوسيلة الوحيدة لإستمرار بقاء تلك الحكاية على قيد الحياه !
إلا أن المشكلة تظل فى نسياننا أحيانا لتلك الحقيقة الأزلية.. حقيقة أن الحياه لعبة درامية فى الأساس..
لعبة بمجرد أن تبدأ تنتهى.. إلا أنه أحيانا ما تسيطر علينا فكرة عبثية مفادها أنه «مش يمكن ما تطلعش لعبه» !..
فنصدق خيالاتنا ونتمادى فى عبثنا حتى ناخد فوق دماغنا فى النهاية ونتأكد أنها بالفعل.. لعبة !
خالد كساب