08.17.2013
جون كيرى أبلغ «السيسى» أن «البرادعى» سوف يستقيل إذا جرى فض الاعتصام بالقوة!
لم يكن الأمر مفاجئاً، كثيرون توقعوا أن يفعلها البرادعى، لقد تولى المنصب واستقالته فى جيبه،
لكنه ينتظر اللحظة المناسبة، إنه يخاطب الغرب، عينه على أمريكا، مصر بالنسبة إليه محطة ترانزيت
غاب عنها أكثر من ثلاثة عقود، تنازل عن الجنسية المصرية طواعية،
واعترف بامتلاكه جواز سفر نمساوياً فى برنامج تليفزيونى يذاع من مصر.
أمس الأول فاجأ الدكتور البرادعى الرأى العام باستقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية للشئون الدولية،
الاستقالة جاءت فى وقت خطير، فى غمرة تنفيذ قرار الحكومة المصرية بفض اعتصامى «رابعة العدوية» و«النهضة»
وفرض سيطرة الدولة لإعادة الأمن والاستقرار فى البلاد.
قال إنه استقال احتجاجاً على قيام قوات الأمن بفض اعتصامى الإخوان بالقوة، وإنه كان يرى أن هناك خيارات سلمية
لحل الأزمة قبل اللجوء إلى العنف، وإن هناك حلولاً مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطنى،
ولكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه، وقال: «لقد أصبح من الصعب علىّ أن أستمر فى تحمل مسئولية قرارات
لا أتفق معها وأخشى عواقبها. وللأسف فإن المستفيد مما حدث اليوم
هم دعاة العنف والإرهاب والجماعات الأشد تطرفاً».
كانت الكلمات التى تضمنها خطاب الاستقالة المقدم منه إلى رئيس الدولة طعنة فى ظهر الشعب المصرى،
جاءت فى وقت صعب للغاية، وحملت إشارة تعنى تحريض القوى الخارجية ضد مصر وإعطاءها المبرر للإساءة
إلى الثورة المصرية وحكومتها وإلى الجيش المصرى. قبيل أن يقدم البرادعى استقالته بقليل كانت واشنطن
قد أعلنت عن موقفها الرافض لموقف الحكومة المصرية من فض اعتصام جماعة الإخوان وتأكيدها الملح
على ضرورة إعداد مائدة للحوار بين جميع الأطراف، وأعلنت عن نواياها فى إعادة تقييم المعونة الأمريكية.
أما «كاترين أشتون»، المفوض الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى، فقد أعلنت فى أول رد فعل
على استقالة البرادعى عن أسفها لهذه الاستقالة، وقالت: «إن العنف اليوم وإعلان حالة الطوارئ
وقرار نائب الرئيس محمد البرادعى بالاستقالة لن يشيع المناخ الملائم لإرساء أجواء الديمقراطية».
كان طبيعياً والحال كذلك أن تهدد فرنسا باللجوء إلى مجلس الأمن، وأن يصل رئيس وزراء قطر فى خروجه على
العرف الدبلوماسى إلى حد تحذير الجيش المصرى، الذى قال إنه تعدى كل الحدود، وإن بلاده لن تسكت وستعمل
على دعم «مرسى»، وأن تعلن تركيا عن استمرارها فى مؤامرتها ضد مصر وثورتها العظيمة.
لم تكن استقالة البرادعى صادمة للكثيرين، لكنها فى الزمان والأوان اعتبرت بمثابة خنجر فى ظهر الوطن،
ومحاولة لاستعداء الخارج على الداخل، وكأنه يقدم نفسه مجدداً على أنه «كرزاى» مصر!
فى الثانى من أغسطس الماضى كان البرادعى قد أدلى بحديث إلى صحيفة «الواشنطن بوست» أثار جدلاً واسعاً
فى الشارع المصرى، أكد فيه على ثلاث نقاط أساسية تضمنها الحوار، وهى:
1- المطالبة بإسقاط الاتهامات الموجهة للرئيس المعزول محمد مرسى إذا لم تكن الجرائم خطيرة،
حيث قال: «أريد أن أرى عفواً محتملاً فى إطار صفقة كبيرة، لأن مصير البلد أهم بكثير»!
2- المطالبة بإدماج الإخوان فى الحياة السياسية، حيث قال: «إن الإخوان فى حاجة لأن يتعاونوا، لكنهم فى حاجة
بالطبع لأن يشعروا بالأمن، يحتاجون إلى حصانة وألا يشعروا بأنهم مستبعدون،
وهى أمور نحن على استعداد لتوفيرها».
3- قوله بأن المسئولين الأمريكيين يشعرون بالقلق من أن يقوم الجيش المصرى بقمع المعتصمين
من أعضاء جماعة الإخوان ويكون هناك المزيد من إراقة الدماء.
كان موقف البرادعى الذى عبر عنه فى حديثه لـ«الواشنطن بوست» مثيراً وغريباً، إلا أن الانتقادات التى وجهت إليه
فى هذا الوقت كانت على استحياء شديد، حيث تعامل البعض مع هذه التصريحات على أنها تنطلق من حرص على
إحداث حالة من التوافق الوطنى وحقن الدماء، غير أن الغالبية كانت ترى أن دعوة البرادعى لها أسباب سياسية
ومرتبطة بالموقف الأمريكى الغربى الذى عبر عن المعانى ذاتها.
كانت واشنطن منذ البداية ترفض وبشدة عزل محمد مرسى من منصبه، مارست ضغوطاً شديدة على
الفريق أول عبدالفتاح السيسى إلا أنها فشلت فى إثنائه عن التغيير، خاصة بعد أن بذل كل الجهود مع
الرئيس المعزول وفشل فى إقناعه بالموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة!
غير أن واشنطن أبدت قلقها من موقف الجيش والشعبية الكاسحة التى حصل عليها
القائد العام الفريق أول عبدالفتاح السيسى، بما يعيد أمامها تكرار نموذج الزعيم الراحل جمال عبدالناصر،
فلجأت إلى البرادعى، حيث طلبت منه الاستعداد للترشح للانتخابات الرئاسية،
لأنها ستتصدى لأى محاولات لترشيح السيسى لرئاسة الجمهورية.
كان طبيعياً والحال كذلك أن تبدأ واشنطن فى رسم المخطط، طلبت من البرادعى التقارب مع جماعة الإخوان ومغازلتها
عن طريق المطالبة بدمجها فى الحياة السياسية والإفراج عن قادتها وفى مقدمتهم الرئيس المعزول محمد مرسى،
وبدأ البرادعى فى القيام بالدور وأطلق التصريحات التى أثارت الجدل بين المصريين. وعندما حصل الفريق أول السيسى
على تفويض أكثر من 40 مليون مصرى خرجوا استجابة لدعوته لهم بتفويض للقضاء على الإرهاب،
أصيب البرادعى بحالة من الهلع والذعر، ولذلك عندما عقد مجلس الدفاع الوطنى فى مساء السبت 27 يونيو،
أى فى اليوم التالى للتفويض، كان البرادعى قد صنع من نفسه حجر عقبة أمام قرار متوقع بفض الاعتصام،
راح يناور ويحاور، طلب مهلة من الوقت، قال إن لديه اتصالات وإنه يبذل جهوداً وإنه تلقى مؤشرات إيجابية،
وإن حل الاعتصام دون إراقة دماء سيوفر على مصر الكثير، وسيوقف المؤامرات التى تحاك ضدها من الخارج.
كان الفريق أول السيسى يدرك أبعاد اللعبة، ويعرف أن موقف البرادعى هو لكسب الوقت وإحراج الجيش
وتفريغ التفويض من مضمونه، لكنه عندما شعر بأن هناك من يرغب فى منح البرادعى
هذه المهلة لإتمام اتصالاته التزم الصمت وترك الأمور تمضى!
بعدها مباشرة بدأ البرادعى يجرى اتصالاته، اتصل بكاثرين أشتون والإدارة الأمريكية،
فجاء ويليام بيرنز وعضوا الكونجرس جون ماكين وجراهام ووزير الخارجية الألمانى وغيرهم. كان يصر دوماً
على أن يجلس وحيداً مع أعضاء هذه الوفود ويرفض حضور أى من المسئولين معه، بل وحتى من رجال السكرتارية
الذين تكون مهمتهم الإلزامية دوماً حضور هذه الاجتماعات لتسجيل المحاضر، وكان ذلك أمراً غريباً أيضاً!
كان هو وراء فكرة زيارة محمد مرسى وخيرت الشاطر والكتاتنى داخل سجونهم، وكان هو داعماً ومؤيداً
لتشدد جون ماكين وجراهام، بل رفض حتى مجرد الاستجابة لمطلب إدانة تصريحات جون ماكين
التى وصف فيها الثورة المصرية بالانقلاب، وكأنه مؤيد للاستفزازات الشديدة التى أطلقها
ماكين فأصابت المصريين بجرح فى كرامتهم.
ظل البرادعى يراوغ لأكثر من خمسة عشر يوماً، طلب من وزير خارجية قطر أن يتوسط له للقاء رموز من جماعة الإخوان،
إلا أن الجماعة رفضت وساطته ما لم يعلن عن استقالته وموافقته على عودة الرئيس المعزول إلى منصبه السابق.
وفى الاجتماع الثانى لمجلس الدفاع الوطنى قدم وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم خطة الوزارة لفض الاعتصامين،
إلا أن البرادعى اعترض مرة أخرى على التنفيذ، غير أن وزير الدفاع رفض جميع الحجج التى قدمها البرادعى،
خاصة أن اجتماعاً لمجلس الوزراء تمت فيه الموافقة على الخطة، وصدر بيان يؤكد فشل جميع المفاوضات
للوصول إلى حل سلمى لإنهاء الاعتصام، كما أن بياناً صدر من رئيس الجمهورية أكد على المعنى ذاته.
وخلال اللقاء الأخير الذى عقد برئاسة الجمهورية بحضور الرئيس ورئيس الحكومة ووزيرى الدفاع والداخلية،
تم الاتفاق على خطة التنفيذ التى سبقتها خطة خداع استراتيجى نفذت بدقة، حتى فوجئت الجماعة
بهذا الحشد الكبير من قوات الأمن والجيش الذى حاصر وسد جميع المنافذ، وفى السابعة صباحاً
كانت إشارة التنفيذ قد وصلت إلى الجميع.
فوجئ البرادعى بالأمر، كانت الخطة محكمة، صدرت التعليمات من الوزير بالحرص على حياة المعتصمين،
تم فض اعتصام «النهضة» فى سبع دقائق، واستغرق إنهاء اعتصام «رابعة العدوية» عدة ساعات.
كانت جميع المؤشرات تؤكد أن عدد القتلى لن يقل عن ثلاثة آلاف، وأن المعتصمين يمتلكون صواريخ
موجهة إلى السكان والمنشآت، وأن هناك متاريس ومتفجرات وغير ذلك، إلا أن قوات الأمن كشفت عن كذب
هذه الادعاءات، وتحملت العنف المقابل وسقوط العديد من الشهداء،
وظلت متمسكة حتى اللحظة الأخيرة بعدم الانجرار نحو الاستفزاز.
سعت قوات الأمن إلى تقليل الخسائر التى لم تزد على 149 قتيلاً، وتم تجاوز الأزمة بطريقة أثارت إعجاب الكثيرين،
بينما راحت ميليشيات الجماعة وحلفاؤها يمارسون حرق أقسام الشرطة والكنائس وقتل أكثر من 400 ضابط
وجندى ومدنى بطريقة أثارت الرأى العام من بشاعة ما تم ارتكابه من جرائم.
لقد فاجأ البرادعى الكثيرين باستقالته، لقد اختار موعداً قاتلاً استهدف من ورائه التحريض ضد مصر،
إلا أن الرأى العام رحب بهذه الاستقالة وسعد بها، لأنها كشفت البرادعى وأسقطت عنه ورقة التوت نهائياً.
لم يكن الموقف غريباً على البرادعى، لقد سبق له قبل ذلك أن أعلن موقفاً مخالفاً للحكومة والقضاء المصرى
الذى أحال عدداً من المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى للمحاكمة، فخرج البرادعى ليوجه لومه إلى القضاء
واصفاً هؤلاء المحالين للقضاء الذين حصلوا على أموال صرفت على أعمال الفوضى فى البلاد بعد الثورة
بأنهم أيقونة الحرية. يومها عندما وقفت فى مجلس الشعب وقلت إن البرادعى يحمى عملاء الأمريكان فى مصر،
قامت الدنيا ولم تقعد، لكننى كنت على يقين أن مواقف البرادعى ستتكشف للرأى العام مع مضى الوقت.
إن علاقة البرادعى بأمريكا والغرب لا تخفى على أحد، فالرجل معروف بمواقفه المؤيدة لكثير من
السياسات الغربية والأمريكية، كما أن موقفه فى التحريض والتمهيد للعدوان الأمريكى على العراق معروف،
لكن الأخطر هو عضويته التى ظل محتفظاً بها لعدة سنوات فيما يسمى بمجلس إدارة «مجموعة الأزمات الدولية»،
التى تضم فى عضويتها شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلى، وشلومو بن عامى، وزير الخارجية الإسرائيلى الأسبق،
وجورج سورس، المليونير اليهودى وصاحب منظمة المجتمعات المفتوحة، الذى كان وراء الثورات البرتقالية
التى استهدفت تخريب دول أوروبا الشرقية وإلحاقها بعجلة التبعية الأمريكية،
وتحديداً فى يوغسلافيا وجورجيا وأوكرانيا.
وفى المقابل كان البرادعى حليفاً للإخوان المسلمين فى عهد «مبارك»، تحالف معهم وتحالفوا معه،
ولم يكن ضد الرئيس المعزول محمد مرسى حتى وقت قريب،
وكان ميالاً دوماً إلى حل إصلاحى مع «مرسى» ويرفض المطالبة بإسقاطه.
وفى 25 أبريل 2013 أى قبل إسقاط «مرسى» بشهرين فقط كان البرادعى قد طرح مبادرة على موقعه
على تويتر لإنهاء الأزمة مع نظام الإخوان تقوم على ثلاث نقاط:
- سحب مشروع قانون السلطة القضائية المطروح على مجلس الشورى.
- إقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى.
- إقالة المستشار طلعت عبدالله النائب العام المعين، وتعيين نائب عام جديد.
وقد ظل يعول على هذا الموقف حتى اللحظة الأخيرة إلى أن انحاز إلى الموقف الشعبى المطالب بإجراء
انتخابات رئاسية جديدة والذى تطور إلى إسقاط محمد مرسى وعزله.
ظل البرادعى متردداً فى موقفه، وكان مستعداً للقبول بمنصب رئيس الوزراء فى ظل حكم الإخوان،
إلا أن الجماعة رفضت ذلك وناصبته العداء بسبب إصراره على خطة الإصلاح، التى هى بالتأكيد لم تهدف
إلى إسقاط محمد مرسى! ومع توليه منصب نائب الرئيس للشئون الدولية بدأ البرادعى يمارس لعبته مجدداً،
لم يكن الموقف من عندياته بل كان اتفاقاً مع الدوائر الأمريكية والغربية، فانحاز إلى موقفهم
وراح يسعى إلى فرض هذه الأجندة على مصر حكومة وشعباً.
ووفقاً لما نشرته وكالة رويترز للأنباء أمس الأول، الأربعاء 14 أغسطس، فإن حلفاء غربيين لمصر
استمروا فى تحذير الفريق السيسى من فض اعتصامات مؤيدى «مرسى» بالقوة.
وقال مبعوث الاتحاد الأوروبى «ليون»، الذى كان يقود جهود الوساطة بالتنسيق مع الولايات المتحدة،
إنه كانت هناك خطة سياسية على الطاولة قبل بهل الإخوان، وإن هذه الخطة تضمنت خطوات
تبدأ بإطلاق سراح السجناء من جماعة الإخوان وتؤدى إلى خروج مشرف للرئيس المعزول محمد مرسى،
على أن يرافقها تعديل الدستور وإجراء انتخابات جديدة العام المقبل. وقالت رويترز إن الإدارة الأمريكية
بعثت برسالة إلى مصر طلبت فيها عبر السعودية إبلاغ الفريق السيسى أن عليه أن يبحث عن
حل سلمى وشامل للاحتفاظ بالدعم الاقتصادى والسياسى الدولى.
وقال مصدر قريب لرويترز: «إن الوسطاء القريبين حاولوا إقناع السيسى بأن مصر يمكن أن تعانى استقطاباً سياسياً
حاداً وصعوبات اقتصادية كبيرة حال حدوث حمامات دم، كما تم تحذير السيسى ووزير الداخلية بأن البرادعى
قد يقدم استقالته لو اختار الوزيران استخدام القوة بدلاً من المفاوضات». هذا هو ما ذكرته وكالة رويترز،
وهو يتوافق مع المعلومات التى كانت تؤكد أن قرار البرادعى بالاستقالة لم يكن قراره وحده،
وإنما جرى الاتفاق عليه مع الأمريكيين والغربيين، ما يؤكد أن القرار كان ضمن خطة كاملة كشف عن مضمونها
تقرير رويترز ورسالة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى إلى الفريق السيسى الذى رفضها بكل شدة وتحدٍّ.
كانت تلك هى حقيقة ما جرى رغم محاولات البرادعى منذ البداية تصوير الرفض الشعبى والنخبوى لمبادرته
التى تسعى إلى إجهاض ثورة 30 يونيو على أنه مؤامرة تستهدفه شخصياً.
لقد هاجم البرادعى من سماهم بـ«الذيول والأذناب» الذين تجرأوا على انتقاده، وكأنه راح يكرر الألفاظ ذاتها
التى أطلقها «مرسى» على معارضيه من عينة «الأذناب وفرد الكاوتش» وغير ذلك، لم يكن هناك فرق
فالرجل سريع الطلقات، سريع التراجع والتردد. لقد أثار موقف البرادعى العديد من علامات الاستفهام، عمت حملة
من الاستياء والرفض لمواقفه حتى من أقرب المقربين إليه، فتأكد للكثيرين أن الاستقالة مرتبطة بموقف محدد،
ولذلك كانت أولى محطات مغادرته القاهرة إلى فرنسا أكثر البلدان تشدداً فى مواجهة موقف الحكومة المصرية
من فض الاعتصام. كانت الساعات قليلة حاسمة فى تاريخ هذا الوطن أفرزت البشر وعرت المواقف،
كشفت عن المؤامرة وأطرافها الداخلية والخارجية، أظهرت من هو الحريص على الوطن وأمنه واستقراره،
ومن الذى يتعامل مع مصر كأنها فندق يبيت فيه ليلته ثم يغادر إلى بيته الدائم خارج ربوع الوطن!
كان البرادعى يظن بناء على معلومات أمريكية أن خطة الإخوان فى إحراق أقسام الشرطة وإحراق الكنائس
والمنشآت سوف تفضى إلى انهيار الشرطة ومعها مؤسسات الدولة تباعاً.
وكان يظن أن رجال الشرطة لن يستطيعوا فض الاعتصام بسهولة، إلا أنه فوجئ بأن رجال الشرطة
يقلبون جميع المعادلات ويحققون على أرض الوطن نموذجاً يحتذى، تحلوا فيه بالشجاعة
وضبط النفس والتضحية والفداء بلا حدود.
وكان على يقين بأن الجيش لن يستطيع إدارة الملف الأمنى فى هذا اليوم، إلا أن التنسيق العسكرى الأمنى
أذهل الجميع وأكد أن الجيش والشرطة ومعهما الشعب هم الرصيد الحقيقى لهذا الوطن، وأن سيناريو سوريا
الذى ظل الغرب يهدد به قد تحطم على عتبة الإرادة الوطنية المصرية.
فوجئ الغرب وصدم البرادعى من هذا النجاح المبهر والقرارات الحاسمة التى تم اتخاذها دون اكتراث بالتهديدات،
ولذلك انقلبت الحسابات والمعادلات خاصة بعد النجاح المبهر والشفافية والحرص الشديد على حماية الأبرياء
من المعتصمين، وهو الدور الذى أعاد للشرطة المصرية مجدها وثقتها مجدداً. كانت الساعات الماضية حاسمة
فى تاريخ الوطن أحدثت فرزاً وتعرية للمواقف، كشفت عن الذيول والأذناب والمخططات الداخلية والخارجية،
أظهرت من هو الحريص على الوطن ومن الذى يتعامل مع مصر كأنها محطة ترانزيت.
مضى البرادعى، سقط سقوطاً مدوياً، ولكن بقيت مصر وأبناؤها الشرفاء فى الشارع وجميع المؤسسات،
ولذلك فإن الغرب سوف يلهث ويراجع المواقف لأن لدينا رجالاً شرفاء
وقائداً عسكرياً عظيماً اسمه الفريق أول عبدالفتاح السيسى.