08.18.2013
نبيل عمر
منذ اندلاع الأزمة بعد عزل محمد مرسى من منصب وصل إليه فى ظروف معقدة
ومرتبكة فى تاريخ مصر، وفشل هو وجماعته فى استثمارها، دخلت فى حوارات كثيفة
على غير العادة على صفحات الفيسبوك، وفى الغالب كانت مع أعضاء فى جماعة الإخوان المسلمين،
لم أكن أحاول تغيير مواقفهم، أو وضع الوطن فى حساباتهم قبل الجماعة،
وأن نحافظ على مصر من الاقتتال الداخلى مهما كانت خسائرنا السياسية،
فالخسائر السياسية يمكن تعويضها بتصحيح مسارات..
وكان هدفى هو طرح أسئلة تجبر البعض منهم على التفكير، بعيدا عن الإجابات سابقة التجهيز
التى تعدها الجماعة لأعضائها، حتى إنهم بدوا نسخا متشابها كالتى نراها فى أفلام الخيال العلمى
عن الكائنات المستنسخة، وهذا شىء مدهش للغاية، لكنه غير مستغرب
فى الجماعات الدينية المغلقة عبر التاريخ الإنسانى كله.
وأعترف أن كل محاولاتى باءت بالفشل، وكل التساؤلات التى كنت أطرحها،
يلفون حولها ويجيبون عن أشياء بديلة لم أذكرها أو أقترب منها.
المدهش أن بعضهم صحفيون وأطباء وأساتذة جامعات ومهندسون، ناهيك بعدد هائل من حاملى المؤهلات المتوسطة،
وحين كنت أسأل بعضهم عن مناهج البحث أو أساليب التفكير العلمى المنظم فى اختبار
ما يقال من معلومات وأخبار وأقوال.. لا يرد،
ويظل متمسكا بأن اعتصامى رابعة والنهضة سلميان، وأن نصر الله قريب!
وهنا تأكدت من استحالة وصول الأزمة الحالية إلى «حلول سياسية»، فالإخوان،
وهنا أتحدث عن الأعضاء الأبرياء، وبالمناسبة هم بعشرات الآلاف،
وهم يثقون فى قادتهم كما يثق المؤمنون بكتاب الله، ويظنون أن الجماعة من المستحيل أن ترتكب عنفا،
وأنهم لا يعتصمون ولا يتظاهرون من أجل مرسى، وإنما يصنعون ذلك جهادا فى سبيل الله،
وهؤلاء لن يغيروا مواقفهم دون تعليمات من قيادات تملكهم ملكية كاملة..
والقيادات تحت إمرتها بضعة آلاف أخرى من الجماعة، هى التى تعرف طريق السلاح والعنف،
والخطوط مقطوعة بين هذا الجانب الحربى وذاك الجانب السلمى.. فقط يستغل الجانب الحربى
الجنود السلميين فى إشعال المظاهرات والاعتصامات مصحوبين (بالمسلحين) ثم يبررون لهم ذلك
بأنه كان دفاعا عن النفس أو كما يكذب الشيخ وجدى غنيم (الإسلام لا يعرف السلمية)!
هذا هو الوضع على الأرض.. ولا أعرف هل يدركه جيدا الأستاذ يسرى فودة أم لا؟
وهو يدعو إلى حل سياسى مجتمعى فى إطار دولة القانون، حتى لا نكتوى جميعا بنار حرمة الدم؟!
وسؤالى إلى يسرى فودة: أيدينا على يدك وخذنا إلى هذا الحل.. وهل تعرف الطريق إليه؟!
قطعا كل المصريين ضد الدم، ومن يشمت فى الدم فقد حرم نفسه من إنسانيتها، ومن لا يعمل على حقن الدم
فهو محرض عليه ومعلق فى رقبته مثله مثل الجناة الحقيقيين!
والسؤال: كيف نصل إلى حل سياسى فى إطار دولة القانون؟!
قطعا قادة الجماعة ضد هذا الحل، لأن الأستاذ فودة وضع عقدة القانون فى المنشار،
فالقانون لن يتسامح مع المرشد العام محمد بديع ولا صفوت حجازى ولا عصام العريان ولا عائلة حداد
التى طلبت من الأجانب التدخل المسلح، ناهيك بقادة من جيل الوسط مسؤولين عن عنف وقتل
فى أغلب محافظات مصر، فنحن أمام حرق كنائس ومبان عامة ومحلات وسحل مواطنين وقطع طرق،
باختصار قائمة الجناة طويلة جدا، والجماعة لن تقبل «القانون»، هى والأمريكان يبحثون عن حل سياسى
يعيد الجماعة إلى صدارة المشهد السياسى.. والقانون لن يسمح بذلك.
وهذا هو السبب فى فشل فك الاعتصامات سلميا، وإصرار مكتب الإرشاد على العنف،
فالدماء تمنح الأمريكان والأوربيين أوراق الضغط المطلوبة على السلطات المصرية، وتدفع بالقضية إلى مزيد
من «التدويل»، والتدويل فى عرف الجماعة هو حلف الأطلنطى على الطريقة الليبية..
باختصار تبحث الجماعة عن العودة إلى السلطة تحت سنابك الجيوش الأجنبية، التى قد تأتى لحماية كنائس الأقباط
والأقلية التى فشلت الحكومة الحالية فى حمايتها، وقد تأتى تحت ضغوط هائلة
يمارسها عدد من الدول ذات المصالح.
يعنى إذا تصورنا أن العنف الحالى يمكن أن ينتهى بأى مبادرة سياسية فهذا نوع من الوهم،
لأن الجماعة قطعت فى هذا الطريق شوطا عميقا لا تستطيع التراجع عنه إلا بالنصر المبين أو الهزيمة الكاملة..
وقد وقعت الجماعة ومعها الأمريكان فى حسابات خاطئة، إذ تصورت أنها يمكن أن تعيد مشاهد جمعة الغضب
مرة ثانية إلى الساحة المصرية، غافلة عن أهم عنصر فى الساحة، وهو المصريون، وهم مع جيشهم وشرطتهم.
باختصار اختار الإخوان الدم والنار، وها هى مصر تتطهر بالدم والنار وتتدفع ثمن مستقبلها مقدما!