08.19.2013
حسين القاضى
نعم هى آية تمثل رعبا وارتباكا للإخوان، مع أنها نزلت لإكمال منظومة الهداية المحمدية،
قال تعالى: «وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ»،
ووجه الدلالة فيها أن نبى الله سليمان كان أمام مشكلة هى «اختفاء الهدهد من بين الطيور»،
وهذه المشكلة تحتمل أمرين: إما أن «الهدهد» موجود، وبالتالى فالعيب فى نبى الله سليمان؛
فهو الذى لم ير «الهدهد» لانشغاله، أو عدم تدقيق النظر مثلا «مَا لِيَ لَا أَرَى»،
وإما أن نبى الله سليمان تفقد الطير بعناية، ودقق النظر لكنه لم يجد «الهدهد»، وبالتالى فالمشكلة فى «الهدهد»،
لأنه الذى غاب، وليس نبى الله هو الذى لم يره، «أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ»، والشاهد هنا أنه لما وقعت المشكلة
بادر سيدنا سليمان بتقديم الاتهام وتوجيه المسئولية واللوم على نفسه والتفتيش فى أخطائه
هو قبل أن يلقى باللوم والتبعية على «الهدهد»،
ومثله قول نبينا: «اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى، وقلة حيلتى...»
ولم يقل «أشكو إليك قوة أعدائى، وجبروت خصومى»،
وفى الدعاء: «اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك»، فإذا رأوا أنفسهم يُقتلون ويُحبسون
ويُلاحقون فتشوا فى ذنوبهم وأفعالهم قبل التفتيش فى تآمر الغير عليهم.
إن السير على هذا المنهج القرآنى يضر الجماعة؛ فالجماعة فى مشكلة هى «ضياع الحلم والملاحقات القضائية»،
فلو التزموا المنهج القرآنى كـ«سليمان» لفتشوا عن أسباب الفشل فى قيادتهم، لكنهم عاندوا
وراحوا يعلقون فشلهم على الإعلام والقضاء والمؤامرات، كأن الآية الكريمة عندهم
«وتفقد الطير فقال غاب الهدهد اليوم ولا مشكلة فى رؤيتى أنا».
ترجمة قوله «مَا لِيَ لَا أَرَى» أن يضع التنظيم احتمالية تسببه فى الفشل وفى إسالة الدماء
قبل القول بإلقاء المسئولية على إفشال الآخرين لهم، وهنا سيَسْألون ويُسْألون: ألسنا نحن من أضاع حلم
أستاذية العالم؟ ألسنا نحن من أوهمنا المعتصمين بعودة «مرسى»؟ ألسنا نحن الذين لم نتخذ تدابير للحيلولة
دون مقتل أبنائنا؟ ألسنا نحن الذين كتمنا أفواه المعتصمين من طرح سؤال: هل «مرسى» فعلا سيرجع؟
وهل لو رجع يستطيع أن يحكم؟ ألسنا نحن الذين كتبنا خطابات «مرسى» الهزلية ونصحناه بالتمسك
بقنديل وطلعت عبدالله واستعجلنا الأخونة والتمكين؟ ألسنا نحن المتسببين فى انفضاض الرفقاء من حولنا؟
ألسنا نحن الذين سوّقنا لمشروع وهمى اسمه «النهضة»؟ ألسنا الذين أوهمنا الشعب أن حجر العثرة
لنهضة مصر «لميس والإبراشى والزند» وليس سوء إدارة قيادتنا؟ ألسنا المسئولين عن فضيحة الاجتماع
السرى الخاص بإثيوبيا؟ وهل التكلفة التى ندفعها اليوم من دماء شبابنا أقل من تكلفة أن لو استجبنا للمصالحات
الوطنية حتى لو تنازلنا عن بعض شروطنا حقناً للدماء؟
ولو أن كراهية «الهدهد» لنا سبب فشلنا، فأليست أفعالنا هى التى حملته على كراهيتنا؟
قيادات «الإخوان» يرون المشكلة فى «الهدهد» هروبا من المساءلة، ولا يوجد عندهم أدنى احتمال
فى أن تكون المشكلة فيهم هم، لكن خرج شباب «إخوان بلا عنف» وطالبوا بمحاسبة مكتب الإرشاد
على أخطائه قبل إلقاء اللوم على خصوم الجماعة؛ لأنهم تنبهوا لهذا الهَدى القرآنى،
وقرروا تحميل قادتهم للفشل قبل تحميله لـ«الهدهد».
قل مثل هذا فى الأحزاب والتيارات والإعلام وغيرها؛ فمثلا لماذا لا تسأل الشرطة نفسها:
أليس يوجد احتمال أننا تسرعنا فى استخدام العنف وفى فض الاعتصام؟ وهلم جرا..
إن هذه الآية تكشف الفشلة، وبالتالى سيحاسبون حسابا عنيفا من أحرار أتباعهم، وليس من عبيدهم،
هؤلاء الأحرار هم الذين اكتشفوا أن «الهدهد» كان موجودا، ولكن أعين القيادات هى التى كانت مصابة بالعمى.