08.21.2013
ينقسم مستقبل الإخوان إلى قسمين؛ قسم الدعوة، وقسم ممارسة ما يسمى بالإسلام السياسى.
قسم الدعوة يحتاج إلى الوضوح الكامل بعيداً عن السرية القاتلة التى عانت منها الجماعة وعانى منها الوطن كثيراً،
وكان من المفروض أن تخرج الجماعة من هذه السرية تماماً بعد ثورة 25 يناير 2011.
كانت هذه هى الفرصة الكاملة، والنعمة التى أنعم الله تعالى بها على الشعب المصرى بأن يخرج
من تبعات الدولة العميقة. فبفضل الثورة حصلت الأحزاب التى كانت محظورة على الترخيص اللازم
لممارسة العمل السياسى الحزبى، وحصل كل من أراد أن يعمل فى السياسة على الرخصة اللازمة.
ورأينا حزب الوسط الذى عانى أكثر من 15 سنة -كما قال لى المهندس أبوالعلا ماضى من قبل-
وهو يحاول الحصول على رخصة أيام حكم مبارك ولم يستطع، رأيناه يحصل على تلك الرخصة بعد أسبوعين
من الثورة فقط، وبحكم قضائى من القضاء الذى رفضه من قبل.
الدنيا تغيرت وكان على الجميع أن يدرك ذلك، ويساعد فى عملية التغيير والانتقال السلمى فى المجتمع،
واستمرار الثورة، والبدء فى إصلاح الدولة وتنمية الوطن. نفس الشىء بالنسبة لحزب الحرية والعدالة
الذى وثق فيه المجتمع، وتمنى كثير من المواطنين أن يروا فى مصر مسيرة جديدة إلى الحكم الرشيد،
ولو خطوة واحدة كل يوم، ولم يحدث ما تمناه الشعب ولا ما وعد به مرسى.
صحيح كان هناك معارضة من اليوم الأول لمسيرة الحزب فى الانتخابات، ممثلة فيمن وقفوا وراء الفريق أحمد شفيق،
أو من صدمهم أداء الإخوان فى الدعوة وفى الحزب وفى الرئاسة فيما بعد، حتى أصبح من المستحيل
أن يسير أحد قادة الإخوان أو قادة حزب الحرية والعدالة وهم فى السلطة فى الشارع،
أو أن يقوم بالدعوة على مقهى من المقاهى.
يقول الإمام البنا فى أول رسالة: دعوتنا، التى نشرتها مجلة الإخوان المسلمين (العدد الثانى) فى 23 أبريل 1935:
«يجب أن نصارح الناس بغايتنا، وأن نجلى أمامهم منهاجنا، وأن نوجه إليهم دعوتنا، فى غير لبس ولا غموض
أضوأ من الشمس، وأوضح من فلق الصبح، وأبين من غرة النهار»، هكذا يقول الإمام البنا عن الدعوة،
لا سرية فيها ولا عنف، مجالها الناس كل الناس دون سيطرة أو إكراه. لو أدرك الإخوان هذا المعنى
وفهموا أنها أضوأ من الشمس، وأوضح من فلق الصبح، وأبين من غرة النهار، لنبذوا السرية بالكامل
وانخرطوا فى المجتمع المصرى بكل حب وتقدير، بعيداً عن الاستعلاء الذى تحلى به بعض القادة أحياناً،
وبعيداً عن سياج العزلة الذى وضعوه حولهم، وهو بكل تأكيد ضد نجاح الدعوة.
«أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ».. هكذ يقول القرآن الكريم. لا إكراه فى الدين
ولا فى السياسة طبعاً، فما بالكم لو أن الناس وبينهم المسلمون وجدوا من يكفّرهم، ويعلن سحقهم،
ويدعو عليهم وعلى أولادهم، ويدعو إلى التحيز والشقاق والتحزب والطائفية والتناحر والتضاغن
والتراشق بالسباب والتهم، ويكيد بعضهم لبعض، فهذا ما أسماه الإمام البنا فى رسالة «دعوتنا»:
«فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس».
هذا بالنسبة للدعوة الإسلامية، إن أرادت قيادة الدعوة والإصلاح،
ووضعت مصلحة الوطن نصب أعينها وليس السلطة، وسعت إلى استرضاء الشعب المصرى مرة أخرى،
والاعتذار إليه عما بدر من أفعال وكلمات وعنف لا يرضاه الله ولا رسوله ولا المؤمنون،
ولعل الشعب المصرى يقبل ذلك الاعتذار، ويفسح المجال مرة أخرى لمن لم يجرم من الإسلاميين فى حق هذا الشعب
والوطن. الكلمة شديدة، ولكن ما قاله عاصم عبدالماجد وصفوت حجازى والبلتاجى وغيرهم،
لا يعنى غير الإجرام.
أما اختيار الدكتور محمود عزت، حسب اللائحة ليكون مرشداً عاماً أو قائماً بأعمال المرشد العام فى غيابه
بعد القبض عليه وفقاً للائحة، فإنه استمرار لنفس النهج الذى سارت به وعليه الدعوة فى السنوات الأخيرة
تحت سيطرة وتكتل ما يسمى بالقطبيين، ولا خير فى هذا النهج للدعوة ولا الوطن ولا للأمة.
والإخوان من شعاراتهم «نحمل الخير لمصر»، ويجب أن يتحقق ذلك فى القيادة
التى تؤمن بالعلنية والسلمية ونبذ العنف حقاً.
أما القسم الثانى فهو الإسلام السياسى، الذى يواجه تحديات عديدة بعد فشل التجربة التى قادها الإخوان
لمدة سنة وثلاثة أيام فى السلطة، حيث عجزوا عن توحيد الوطن أو الاستفادة من خبرات خبرائه
من غير الإخوان، ودون تركيز فقط على أهل الثقة.
الإسلام السياسى فى مصر خسر تأييد قطاع عريض من الشعب المصرى،
وحمل على كتفيه من التحديات ما تنوء به الجبال، ومن الضرورى أن يقبل الإسلاميون اليوم الهزيمة
التى تعرضوا لها، فالعمل السياسى تنافس وليس صراعاً، مثل الذى شاهدناه مؤخراً.
وأرى ترك الصراع على السلطة جانباً لسنوات عشر على الأقل، حتى تعود المياه إلى مجاريها كما يقول المثل.
والله الموفق