10.14.2013
خالد البرى
لم يعد فى مصر أحد يشك أن المؤسسة العسكرية خلاص نازلة بوزير الدفاع عبد الفتاح السيسى مرشحا للرئاسة،
وبالتالى رئيسا. أما القوى المدنية -هههههههههههه- فكأنك يا بو زيد ما غزيت،
لسه بيناقشوا الإخوان فسيل ولا مش فسيل، وكثير من المحسوبين عليها لا يزالون فى انتظار تكرار إنجازهم الأكبر،
إنجاز «مش قلت لكم؟». وهذا موطن الداء، وسبب المرض. لن يدركوا أبدا أبدا أنهم بخياراتهم كانوا سببا فى هذا،
وأنهم بترددهم وموقفهم المائع من الإرهاب أفقدوا المواطنين، حتى المتعاطفين، الثقة فيهم.
ما علينا.
إنما الأجواء لا تبشر بخير كبير فى مجال حيوية الحياة السياسية. المعركة ضد الإرهاب ستنجح،
لكنها ستكون سببا لتقوية نفوذ المؤسسة الأمنية. ليس فقط لأن المؤسسة الأمنية ستجد ألف سبب مشروع
لفرض ثم تمديد حالة الطوارئ، ولكن أيضا لأن القوى المدنية مشغولة بالمعركة الأمنية، بالتعليق عليها،
بدل أن تستغل فرصة انشغال «قوى أخرى» بها، وتقدم هى رؤية ومرشحة رئاسية أو مرشحين رئاسيين،
أو تقدم خطابا حده الأدنى إدراك هموم الناس، ومخاوفهم.
الشؤون المعنوية، على الجانب الآخر، أدركت هموم الناس ومخاوفهم. لكنها لعبت عليها.
فكانت الوجه الآخر من العملة. فصار لدينا قوى مدنية تسرد طموحا ليس له مقدمات ولا «أمارة»،
وجهاز إعلامى تابع للدولة يقدم طموح الحد الأدنى، طموح الأمن من الخوف، والكلمات الفضفاضة،
«مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا»، «الشعب لم يجد من يحنو عليه»، «انتو نور عينينا».
مافيش مشكلة طبعا بكل هذا الكلام العاطفى، لكننا بذلك نعيد نفس فلسفة الحكم،
فلسفة الأب الحانى والرعية الأطفال.
والموقفان ليسا منفصلين. مافيش دورى بيبقى كويس بفريق واحد، ولا حتى بفريقين كويسين،
الدورى الكويس هو الدورى اللى المنافسة بتجبر فرقه تحسن نفسها وتبقى كويسة.
يبدو أن الشؤون المعنوية، وسأعتبرها هنا متحدثة باسم حزب سياسى، قوة من ضمن القوى،
وجدت أن «أى كلام هيمشى»، ووجدت أنها، بعد كل ما حدث، ستنزل بمرشح بلا منافسة،
ووجدت أنها تستطيع أن تؤدى الغرض بنفس الأساليب القديمة، أوبريتات لشحن الوطنية، وأغانٍ للتذكير بها،
وليست مضطرة إلى أن تقدم خطابا يغرى الشباب، وذوى العقول المتطلعة إلى دولة عصرية،
ولا أن تقدم رؤية تنافسية، ينزل فيها مرشحها أيا ما كان إلى الساحة ويتنافس مع الآخرين، ويتعرض للانتقاد،
وتمتحن أفكاره، وتمحص رؤاه. نفس الخطاب القديم لنفس العقول القديمة. نفس الخطاب القديم لنفس الأطفال
الذين ربتهم العقول القديمة فكبروا وصاروا نماذج من آبائهم. فهل من يفعل هذا يأمل فعلا فى مستقبل أفضل؟!
النكسات فى المسيرة الديمقراطية ليست شيئا نادر الحدوث، لا سيما فى المجتمعات التى يكثر فيها أعداء الديمقراطية
بين القوى السياسية على اختلافها. لكن هذا لا يعنى الاستسلام لها. على القوى المدنية أن تفهم هذا.
أن تفهم أن تلك فرصتها لتقديم مرشحين يقنعون الشباب بعالم جديد، وبإمكانات جديدة، وبممكن جديد.
حتى لو لم يكن النجاح حليفها، فإن هذا أفضل للمستقبل، وأفضل لكى تفهم القوى المتنفذة فى مصر أن المستقبل
لن يكون شبه الماضى، وأن الكلام العاطفى لم يعد ينفع.
تتحدثون عن اليأس مقابل الهمة؟ هذا وقت الهمة، الهمة السياسية فى ظل وسائل سلمية، وفى ظل منافسة عقول،
وفى ظل حرص على الوطن لا محاولة للمتاجرة به فى سوق الشعارات العالمية. الدول الحديثة
لم تصل إلى ما وصلت إليه بعد جولة واحدة، بل بعد جولات. إن دار الزمان دورته ورجعت المؤسسة العسكرية
إلى حكمنا بنفس الطريقة -ونحن نرى نفس المقدمات- فلا بد من مضاعفة الاستعدادات للتعامل مع هذا الواقع الجديد.