الأصلُ في "إلاّ" أن تكونَ للاستثناء، وفي "غير" أن تكون وصفاً.
ثمَّ قد تُحمَلُ إحداهما على الأخرى، فَيوصَفُ بإلاّ، ويُستثنى بغير.
فان كانت "إلا" بمعنى "غير"، وقعت هي وما بعدَها صفةً لما قبلها،
(وذلك حيثُ لا يُرادُ بها الاستثناءُ، وإنما يُرادُ بها وصفُ ما قبلَها بما يُغاير ما بعدَها) ،
ومن ذلك حديثُ "الناسُ هلَكَى إلا العالِمونَ، والعالِمونَ هَلكَى إلا العامِلونَ، والعاملونَ هلكى إلاّ المخلصون"،
أي "الناسُ غيرُ العالمينَ هَلكى، والعالمونَ غيرُ العاملين هلكى، والعاملونَ غيرُ المخلصينَ هَلكى"
ولو أراد الاستثناءَ لنصبَ ما بعدَ "إلا" لأنهُ في كلام تامٍّ مُوجَبٍ.
وقد يصحُّ الاستثناءُ كهذا الحديث، وقد ولا يصحُّ، فيتعيّن أن تكونَ "إلا" بمعنى "غير"،
كقوله تعالى {لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدتا} . فـ"إلاَّ" وما بعدَها صفةٌ لآلهَة،
لأنَّ المُرادَ من الآية نفي الآلهةٌ المتعدِّدةِ ،وإثبات الآلهِ الواحد الفرد. ...
وذلك يقتضي أنه لو كان فيهما آلهةٌ، فيهمُ الله، لم تَفسْدا، وهذا ظاهرُ الفسادِ.
وهذا كما تقولُ "لو جاءَ القوم إلا خالداً لأخفقوا" أي لو جاؤوا مستثنًى منهم خالدٌ - بمعنى أنه ليس بينهم - لأخفقوا.
فهم لم يُخفقوا لأنَّ بينهم خالداً. ونظيرُ الآية - في عدم جواز الاستثناءِ -
أن تقول "لو كان معي دراهمُ" إلا هذا الدرهم". فان قلتَ "إلا هذا الدرهمَ"،
بالنصب كان المعنى لو كان معي دراهمُ ليس فيها هذا الدرهمُ لبذلتُها،
فيُنتجُ أنكَ لم تبذُلها لوجودِ هذا الدرهمِ بينّها. وهذا غير المراد.
ولا يَصِحُّ أيضاً أن يُعرَب لفظ الجلالةِ بدلاً من آلهة، ولا "هذا الدرهم"، بدلاً من دراهمَ،
لأنهُ حيثُ لا يَصِحُّ الاستثناءُ لا تصحُّ البدليّةُ. ثم إنَّ الكلامَ مُثبتٌ، فلا تجوزُ البدليّةُ ولو صحَّ الاستثناءُ،
لما علمتَ من أنَّ النصبَ واجبٌ في الكلام التامّ المُوجَبِ. وأيضاً لو جعلتَهُ بدلاً لكان التقديرُ "لو كان فيهما إلا اللهُ لفسدتا"،
لأنَّ البدلَ على نِيَّةِ طرحِ المُبدَل منه، كما هو معلومٌ. ولعدَم صحَّةِ الاستثناءِ هنا
وَعدَمِ جَواز البدليّة تَعيَّنَ أن تكونَ "إلا" بمعنى "غير".
ولا يصحُّ الاستثناءُ بالنصب، لأنَّ المعنى حينئذٍ يكون "لو كان فيهما آلهةٌ، ليس فيهمُ اللهُ لفسدتا".