11.26.2013
جمال فهمى
… أبدأ بأن عبد الله الفقير كان يتمنى ويفضل إرجاء إصدار القانون الذى ينظم (كما فى كل الديمقراطيات المحترمة فى الدنيا)
حق التعبير عن الرأى بالتظاهر السلمى إلى حين وجود برلمان منتخب يصوغه ويصدره،
لكن ماذا نفعل إزاء واقع استثنائى شديد التعقيد والخطورة نعيشه الآن أبرز ملامحه
وجود جماعة إرهابية فاشية ومجرمة استبد بها الجنان الرسمى والتوحش وانعدام الضمير إلى حد أنها تظن أن بمقدورها
عقاب الشعب المصرى بالعربدة والبلطجة اليومية، فضلًا عن الإرهاب والقتل، حتى يستسلم ويركع ويعيدها مغلوبًا صاغرًا
إلى حيث كانت تعافر قبل ثورة 30 يونيو لخطف الدولة والمجتمع وجرهما مسحولين إلى عوالم الظلام ومستنقع الخراب الشامل..
هذا الواقع من آيات الضرر الذى ينتجه يوميا أن قدرتنا على سد الذرائع ومنع الاستثناء هى الآن فى أدنى قوتها،
لكنى أتمنى أن لا يسوء الوضع ويستفحل الضرر والخطر أكثر من ذلك.
ولست أريد فى هذه السطور مناقشة بنود القانون الجديد (عندى حفنة ملاحظات بشأنه، بعضها جوهرى) الذى أعدته الحكومة
وأصدره أول من أمس الرئيس عدلى منصور بمرسوم يحمل عنوان «تنظيم حق التظاهر»، ولكنى أود فقط الإشارة إلى أمرين،
أولهما أن هذا القانون أثار قبل وبعد صدوره عاصفة من الاحتجاجات والاعتراضات أغلبها صاخب جدًّا وتكاد تشى بأن أصحابها
ربما يرفضون من الأساس مبدأ تنظيم حق التظاهر انطلاقًا من عقيدة «عجيبة حبتين» تعشش فى عقول قطاع
من نخبتنا الطيبة الغلبانة، ملخصها أن الثورة ما إن تنفجر وتقوم حتى لا تقعد أبدًا وتظل مظاهرها ووسائلها شغالة ومستمرة
بغير توقف إلى يوم القيامة على الأقل.. يعنى تتحول إلى «مهرجان تمرد أبدى وسرمدى» منزه ومنبتِّ الصلة تمامًا
عن أية أهداف أو غايات اندلعت الثورة لأجل بلوغها وتحقيقها، بعدما انسدَّت أمام الناس سبل التغيير والتطور الطبيعيين
(على فكرة.. الثورة فعل اضطرارى واستثنائى)!
فأما الأمر الثانى، الذى سأترك له بقية مساحة هذه الزاوية، فهو ملاحظة أهديها للجميع اهتديت إليها بعدما قرأت بإمعان
صياغات ونصوص القانون المذكور، إذ وجدته كأنه
نقلٌ أو ترجمةٌ شبهُ حرفية لقانون مماثل معمول به فى فرنسا،
مع بضعة اختلافات قليلة جدًّا فى التفاصيل، بعضها يصب فى صالح القانون المصرى والبعض الآخر أقل دقةً وجودةً.
يعنى مثلًا.. القانون الفرنسى الذى ينظم حق التظاهر السلمى صدر بتاريخ 23 أكتوبر عام 1935
تحت مسمى «شروط التجمع فى مكان عام»، وقد أدخلت عليه فى عهود وسنوات لاحقة بضعة تعديلات طفيفة
لم تؤثر على جوهره وإنما بعضها شدد من إجراءات وشروط ممارسة هذا الحق
(أهمها زيادة مهلة إخطار السلطات من 3 أيام إلى أسبوع) ويبدأ القانون فى مادته الأولى بتحديد مجال انطباقه
ونوع الأفعال التى ينظمها قائلا: «…كل موكب (cortege) أو تجمهر (defiles)
أو تجمع لأشخاص rassemblement des personnes) وبشكل عام كل تظاهرة فى الأماكن العامة
تخضع للالتزام بالحصول مسبقًا من السلطات على تصريح (autorisation) كتابى» وليس مجرد إخطار للسلطات
(notification) كما ينص القانون المصرى.
وحسب البند نفسه فإن الإعفاء من هذا الترخيص المسبق يسرى فقط على ما يسميه التشريع الفرنسى
«الخروج إلى الأماكن العامة الذى يتفق مع التقاليد المحلية».
وقد ألزمت المادة الثانية من القانون كل من يريد تنظيم تظاهرة أن يقدم طلبًا إلى إدارة «البلدية» فى المنطقة
التى ستبدأ منها قبل موعدها بثلاثة أيام (صارت الآن أسبوعًا) وبحد أقصى 15 يوما (مثل القانون المصرى)
على أن يتضمن الطلب أسماء ومحال إقامة المنظمين للتظاهرة إضافة إلى توقيع ثلاثة منهم على الأقل،
كما يجب أن يفصح مقدمو الطلب عن الموضوع والهدف من المظاهرة، وكذلك مكان وتاريخ وساعة بدء تجمع المشاركين فيها.
ويجيز القانون الفرنسى للسلطات الاعتراض ورفض الترخيص لأى مظاهرة، فالفقرة الثانية من البند الثانى تقول
إنه «إذا كانت الظروف تنطوى على خشية من وقوع اضطرابات جسيمة أو أخطار قد تهدد المتظاهرين
أو تمس اعتبارات السلامة العامة وحفظ النظام العام، فإن من حق ممثل رئيس الدولة فى الأقليم (المحافظ)
أو رئيس الشرطة إصدار قرار بمنع المظاهرة وإخطار أصحاب طلب الترخيص بقرار المنع كتابيًّا
خلال الـ48 ساعة السابقة على موعدها».
وتعطى المادة الثالثة من القانون نفسه لطالبى التظاهر الحق فى التظلم من قرار منعهم أمام «رئيس المتصرفية»
الذى بدوره يملك سلطة إلغاء القرار أو تأييده (القانون المصرى يمنح سلطة النظر فى التظلم على وجه السرعة للقضاء)!
تآكلت المساحة، وأُكمل بعد غدٍ، إن شاء الله..