الفاسد سياسيًّا ليست بالضرورة شخصًا سيئًا فى الحياة العادية

Admin عدد المساهمات : 1147 تاريخ التسجيل : 05/02/2013

الفاسد سياسيًّا ليست بالضرورة شخصًا سيئًا فى الحياة العادية

18/2/2013

خالد البرى

بفرض أننا قررنا جميعًا أن نُطلِق لِحانا، وقرر المسيحيون أن يتحولوا إلى «مواطنين درجة أولى»

ويعلنوا إسلامهم، وقررت النساء أن يتشحن بالسواد، هل سيحلّ ذلك المشكلة؟!

أبدا. أبسولوتلى نو. هواى؟ لأن الخناقة اللى بتحصل فى المجتمعات الخايبة اللى زينا

هى فى الحقيقة خناقة على الفرص القليلة، اللى مش هتكفى الناس كلها. ا

لمجتمع لما بيفشل فى زيادة العرض (توفير فرص) فبيقلل الطلب، بيقص الزباين.

لا إنت كخه مش متدين، لا إنتى كخة متبرجة، لا إنتى مسيحية، لا إنتَ شيعى،

وانتى مش وطنية، وانتى انعزالية، وانتى بتاعة أمريكا وإسرائيل، وهكذا.

وبعد ما هيخلصوا مننا هيلاقوا الفرص برضه لسه قليلة، وهيرجعوا يقصوا ويقيفوا

ويلاقوا أسباب ورا أسباب لإبعاد آخرين. وتستمر الخناقة. وننشغل بالخناقة.

ومانعملش فرص ولا ننتج لأننا بنتخانق. ويبقى عندنا مبرر للفشل. والغريب العجيب

إن اللى بيديروا الخناقة من فوق (اللى كتبوا لنا الدستور) هم أقل ناس منتجين،

وأصحاب أتقل مؤخرات فى الكون.

وبالتالى، سيتغير كل شىء فى مصر، إلا شيئًا واحدًا. السلوك الإقصائى لدى ذوى السلطة.

لن يصل إلى السلطة فى مصر إلا أشخاص يتعاملون كأنهم قبيلة، تتغلب على الآخرين،

إما بالسلاح، وإما بصندوق الانتخابات (اللى مش هنشوفه تانى). وبمجرد وصولهم

إلى السلطة سيفهمون أن فرصهم فى الحياة مرتبطة بوجودهم فى هذه السلطة،

وسيرتكبون جرائم -لا محالة- لكى يمنعوا الآخرين من الوصول إلى هذه السلطة،

ثم يستأثرون بالسلطة لكى لا يحاسَبوا على الجرائم التى ارتكبوها فى السلطة.

هذا سبب الفساد السياسى. الفاسدة سياسيًّا ليست بالضرورة شخصًا سيئًا فى الحياة العادية.

أبدا. إنما أفسدتها الرغبة فى الإبقاء على ما أدركته، والرغبة فى إزاحة الآخرين عنه.

قد أقرب الصورة إليك لو قلت إن هذه الفاسدة السياسية تحركها نفس الدوافع

التى تحرك سائق الميكروباص الذى يحتلّ منتصف الطريق لكى يمنع زميله من

الفرصة القادمة/ الراكب القادم. ولو ملك سلطة، لو كان سائق الميكروباص

أمين شرطة فى نفس الوقت، لرأينا فى تجربة عملية كيف يكون الفساد، وكيف يتحرك،

وكيف يتصرف، ولرأينا أنه لا يصدر بالضرورة عن أناس أشرار، ولا عن مال وفير،

ولتعلمنا درسا فى «الأخلاق» بمعناها المرتبط بالمجال العام.

ليس غريبا إذن أن الاتجاه إلى الديمقراطية بدأ بعد الثورة الصناعية، بعد أن تعلمت الإنسانة

التوسع رأسيًّا، لا أفقيًّا. بعد أن تعلمت خلق الفرص. بعد أن تعلمت سلوك «العالم الشبعانة»،

مع الاعتذار عن التعبير، فأنا أقصده هنا بمعناه السياسى.

ليس غريبًا إذن أن الديمقراطية ارتبطت بالفكر الرأسمالى. وعلشان خاطرى يا شيخة

ماتقوليليش اليسار الأوروبى، اليسار الأوروبى يعمل فى بيئة رأسمالية. أوكيه؟

ماتنسيش الموضوع دا. أنا شخص رأسمالى ولكن ممكن فى أوروبا أنتخب حزب يسارى،

لأنى مطمئن إنه مش هيهبِّل ولا يستهبل. فيه قواعد منافسة موجودة بالفعل.

لكن انظرى شرقًا. دول الكتلة الشرقية التى بُنِىَ اقتصادها على الفكر

الماركسى/ الشيوعى/ الاشتراكى بتنويعاته، وانظرى إلى الدول الدينية.

لقد فشلت هذه الدول اقتصاديًّا، ولقد تعاقب على تلك الدول أنظمة إقصائية،

مشغولة بترويج الأيديولوجيا وإشاعة الرضا والسخط على أساسها، أكثر مما انشغلت

بخلق الفرص، والأهم، وضع قواعد المنافسة العادلة على تلك الفرص.

وحين أقول العادلة لا أعنى تقسيمها بالتساوى، دون النظر إلى القدرات والكفاءات،

بل أعنى المساواة فى إتاحة الفرصة، ثم لتحصل عليها من تملك الكفاءة اللازمة.

وهى ليست مرتبطة دائما بالتعليم، ولا بتعدد اللغات، لا، خلق الفرص يجعل المجال مفتوحا

للحرفى الماهر، والتاجر الماهر، إلخ. من عاش فى الغرب يعلم أن هؤلاء أكثر ثروة

من المتعلمين متوسطى الكفاءة من أمثالى مثلًا.

وهنا فإن الليبرالية مرتبطة بالرأسمالية، والرأسمالية مرتبطة بالليبرالية

(قيم المساواة أمام القانون بغضِّ النظر عن اللون والدين والجنس، وقيم الحرية الاقتصادية والسياسية)،

وإلا صارت الرأسمالية إقطاعًا واحتكارًا بصورة جديدة. من فضلك لا تخلطى بين

أحمد عز وجماعته والليبرالية الاقتصادية،

ولا تخلطى بين ما ينوى الإخوان أن يفعلوه والرأسمالية.

الإقطاع إقطاع، والاحتكار احتكار، وفى غياب الحريات السياسية التى تضمن المحاسبة

والشفافية وتكافؤ الفرص لا وجود لأى شىء، أى شىء، سوى الاستبداد.

» الحكومة التى يجرى تشكيلها راهناً ليست حكومة تسيير أعمال
» 500 كلمة ليست عن باسم يوسف!!
» هذه المقالة ليست للأحياء من العباقره السياسيين المصريين !