07.12.2013
الحكومة التى يجرى تشكيلها راهناً ليست حكومة تسيير أعمال كما قد يعتقد البعض،
بل سيقع على كاهلها تنفيذ عدد من المطالب الحيوية والاستحقاقات الضرورية.
مطلوب من تلك الحكومة، إضافة إلى تسيير الأعمال،
وسد الفراغ الحاصل فى السلطة الآن، تحقيق خمسة مطالب أساسية:
أولاً: المصالحة الوطنية
يجب أن يكون أول بند فى بيان مهمة الحكومة المنتظرة «العمل على تحقيق المصالحة الوطنية»؛
أى الوصول إلى صيغة من صيغ العمل الوطنى تسمح باستيعاب كافة التيارات السياسية
والقوى والمصالح الاجتماعية والمدارس الفكرية.
ستكون الحكومة مطالبة بالاستفادة من كافة الخبرات الوطنية، ودراسة الأفكار المختلفة،
بغض النظر عن صاحبها وأيديولوجيته وانتمائه السياسى والفكرى؛
وبذلك سيمكنها أن تضمن البقاء والفعالية فى اجتياز الفترة الانتقالية بنجاح.
وستكون مطالبة أيضاً بطرح مبادرات تعمل على استيعاب الفرقاء السياسيين ومقاومة إقصاء بعضهم
واحتواء رغبة البعض الآخر فى شق الصف الوطنى وزعزعة تماسكه.
المصالحة فريضة وطنية، واستحقاق أخلاقى، ومصلحة عامة، وبالتالى يجب أن تتصدر أولويات
أى حكومة رشيدة، ومن دونها لن يكون هناك ضمان لتحقيق نجاحات أو الحفاظ عليها.
ثانياً: تسهيل عملية الانتقال الديمقراطى
ينص الإعلان الدستورى، الذى صدر الأسبوع الماضى، فى المادة 25، على اختصاص مجلس الوزراء
بإعداد مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية ضمن اختصاصات عديدة أخرى،
كما ينص فى المادة 24 على أن اختصاصات رئيس الجمهورية
تشمل «التشريع بعد أخذ رأى مجلس الوزراء».
يعنى ذلك أن للحكومة المقبلة دوراً فى عملية التشريع خلال الفترة الانتقالية.
صحيح أن الدور التشريعى للرئاسة والحكومة خلال الفترة الانتقالية يجب أن يكون محدوداً؛
إذ لا يجدر أن تسرف المؤسستان فى استخدام صلاحيات التشريع الممنوحة للرئيس،
انتظاراً لانتخاب مجلس النواب الجديد، لكن ثمة تشريعات ضرورية ستصدر بكل تأكيد.
والمأمول أن تكون تلك التشريعات، فى حال صدرت، مساعدة فى تسهيل عملية الانتقال الديمقراطى،
ووضع ذلك الانتقال على الطريق الصحيح.
ثالثاً: الاقتصاد
لقد تلقى الاقتصاد المصرى المترنح دفعة قوية يمكن أن يكون لها أكبر الأثر
فى تعافيه وخروجه من الأزمة الراهنة.
إن مجموع ما أعلنت الإمارات والسعودية والكويت عن تقديمه لمصر، خلال الأيام الأربعة الماضية،
بلغ 12 مليار دولار، وهو مبلغ كبير، سيمكّن الإدارة المصرية من التحرر من ضغوط
قلة الموارد السائلة اللازمة لتغطية الاحتياجات الملحة، وسيمتن وضع العملة التى فقدت
أكثر من سُدس قيمتها تحت حكم «الإخوان»، وسيعزز الاحتياطى النقدى الآخذ فى التناقص.
يمكن أيضاً توقع زيادة فى التدفقات الاستثمارية، بموازاة ارتفاع فى أعداد السائحين،
مع التحسن المأمول فى الحالة الأمنية؛ لذلك سيكون من المبرر
بالطبع توقع تحقيق اختراقات فى الملف الاقتصادى.
المطلوب من الحكومة فى هذا الملف ليس التفكير فقط فى كيفية تحقيق معدلات النمو المرتفعة ا
عتماداً على العوامل المساعدة السابقة، لكن المطلوب إدارة العملية الاقتصادية، بمواردها،
وعوائدها بشكل يصب فى مصلحة تحقيق أهداف ثورة يناير، أى إصلاح السياسة الاقتصادية
والاجتماعية، بشكل يضمن توزيع عوائد التنمية بشكل عادل، يمكن أن تستفيد منه
الفئات الأكثر فقراً وتهميشاً بالدرجة الأولى.
مطلوب من الحكومة المنتظرة رؤية واضحة لملف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية،
بشكل يضمن إيقاف النزف الراهن، ثم تفعيل الأداء، وزيادة العوائد، والعدالة فى توزيع ثمارها.
رابعاً: الأمن
لدى الحكومة المنتظرة فرصة ذهبية لتحقيق نجاح كبير ولافت فى ملف الأمن.
فقد منحت انتفاضة 30 يونيو جهاز الشرطة فرصة ذهبية لإعادة بناء صورته بين جموع الجماهير.
إن صور رجال الشرطة، بملابسهم الرسمية، مرفوعين على أعناق متظاهرى 30 يونيو
لها دلالة كبيرة؛ إذ استعادت الشرطة الثقة والاطمئنان إلى محيطها الشعبى،
ويبدو أنها عازمة على عدم خسارته مرة أخرى.
مطلوب من الحكومة المنتظرة العمل بقوة ودأب لاستعادة الأمن بشكل كامل فى محافظات مصر المختلفة،
ورغم أن التحديات الأمنية التى تفرضها جماعة «الإخوان» وبعض حلفائها، خصوصاً فى سيناء،
ليست بسيطة، لكن الحكومة ستبقى مطالبة مع ذلك بتحقيق النجاح فى هذا الملف،
الذى يرتبط مباشرة بالملف الاقتصادى والاجتماعى، ويؤثر فى درجة شعبية أى حكومة بصورة بالغة.
خامساً: العلاقات الخارجية
مطلوب من الحكومة المنتظرة العمل على إعادة بناء علاقات مصر الخارجية بالإقليم والعالم،
بعدما هدمتها جماعة «الإخوان»، وفاقمت الانحدار الذى قادتنا سياسات مبارك إليه.
إنها خمسة مطالب أساسية تمثل الأولويات الرئيسية للحكومة المنتظرة، وكل الأمل أن تنجح فى التعامل معها.