مد يده إلى جهاز المحمول الذكى الخاص به, نظر إلى المكالمات الواردة، كلها مكالمات عمل سخيفة وباردة,
اكتشف أنه لم تأته مكالمة من أحد أحبائه منذ مدة طويلة, صارت كل علاقته بهم مجرد إعجاب
أو مشاركة على صورهم وصور أبنائهم على الفيس بوك أو تويتر: حتى أصدقائه على المقهى
يتقابلون ليضع كل واحد فيهم وجهه فى تلك الشاشة الزرقاء لمدة ساعتين، ثم يرحل.
امتد الأمر إلى زوجته التى تجلس بجواره صامتة لتتفحص تلك الشاشة الزرقاء،
واكتشف أن أبناءه بدأوا يفعلون ذلك.
باءت محاولاته للتحدث معهم بالفشل أو جذب انتباههم لأى شىء غير تلك الشاشات الزرقاء السخيفة,
الجو كان حارًا "لكنه شعر ببرودة غريبة تسرى فى أوصاله لدرجة أنه ارتعد من الخوف والوحدة،
اكتشف أن أصدقاءه يتساقطون واحدًا تلو الآخر، يختفون فى ظروف غامضة
ويتحولون إلى مجرد قائمة من الأسماء التى ليس لها معنى على جهاز هاتفه, لم ينتبه أن آخر صديق حقيقى له
قد سافر دون حتى أن يسلم عليه أو قرر التجاهل ليتمكن من الحياة، ولا يشعر بالألم،
أصبحت التهنئة بالأعياد كارت افتراضى سخيف على شاشة باردة،
والإعجاب علامة يد لا تسمن ولا تغنى من جوع, وإنهاء العلاقة هى عمل حظر على الفيس بوك,
خشى أن يأتى يوم لا يجد فيه من يسير فى جنازته, ويصبح العزاء مجرد صوره ولايكات على الفيس بوك ,
قرر التخلى عن تلك الحياة السخيفة, وعدم العيش فى حياة افتراضية,
ورفض قبول طلبات صداقه افتراضية أخرى.
قرر النزول مع ناس يعيشون حياة حقيقية, تناول إفطاره على عربة فول, لم يأكل منذ زمن بتلك الشهية،
وهو يتقاسم بصله مع شخص حقيقى يشكو له من ضغوط الحياة ومشاكله مع زوجته،
على الرغم من أنه قد تعرف عليه منذ عشر دقائق فقط , جلس مع صديقه الجديد على مقهى بلدى
فى الحسين يتناول الشاى بالنعناع ويدخن الشيشة, انضم إليه صديق جديد من الجوار,
ثم صديق آخر وصديق ثالث, لم يهتم ماذا يعملون وما هو مستواهم الاجتماعى،
كانوا يتحدثون بصدق يتكلمون عن آلامهم وأحلامهم دون تكلف, تدمع عيونهم بشكل حقيقى
ويضحكون بشكل حقيقى, عرف أن هؤلاء الناس لا يعرفون شيئًا" عن تلك الشاشات السخيفة
ولا عن ذلك العالم الافتراضى( بتاع الجماعة المرفهين) كما قال أحدهم. شعر بالدفء يعود مرة أخرى،
شعر أنه لأول مرة منذ سنوات يتنفس هواء" حقيقا" لا هواء "معلبا", قرر أن يعيش حياة حقيقية،
ويلفظ كل حياته الافتراضية وأصدقائه الافتراضيين وحنينه الافتراضى وحزنه الافتراضى،
وإعجابه الافتراضى مهما كلفه ذلك من ثمن, قرر أن يعيش مع ناس حقيقيين
فى عالم حقيقى مهما كان هذا العالم صعب.
إيهاب عصمت يكتب: حياة افتراضية