[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الوثنية نقيض الحرية. وما دام البشر لم يصلوا إلى التحرر الكامل فى أفعالهم، فإن الوثنية لم تنقضِ ولم تَفْنَ 24/2/2013 خالد البرى أفلام البورنو بالنسبة إلىَّ، هى أحد أبرز ملامح الوثنية الحديثة. لماذا؟
لأنها تضيّق الواسع، وتحوّل ما كان مفترضا أن يكون خيالا شخصيا،
يختلف فى إبداعه من ثنائى إلى آخر، إلى أداء معين، ميكنى (كالماكينة).
قد يرى آخرون أن هذا «تغذية» لخيال البشر. لن أخوض فى الجدال
لأن هذا ليس موضوعنا. ما أريد أن أشير إليه هو أن الوثنية نقيض الحرية.
وما دام البشر لم يصلوا إلى التحرر الكامل فى أفعالهم، فإن الوثنية لم تنقضِ ولم تَفْنَ.
الوثنية مرتبطة بجمع الأفراد فى مجموعات، حول رمز واحد. له تأثير معنوى عليهم.
لقد ارتبطت أول ما ارتبطت بالطوطم، أو الرمز المقدس، الذى «افتكسه» البشر
مع انتقالهم إلى العيش فى وحدات تتجاوز الفرد و«لحمته» المباشرة.
كان مهمًّا وجود هذا الطوطم، ووجود هذا التأثير المعنوى، كمصدر للتشريع،
ومصدر للتنظيم، ومصدر للسلطة والخوف والرجاء. وخطوة بعد خطوة
صار هذا الطوطم يملى على البشر ما يريده كبراء الرهط (المجموعة)، ونشأت طبقة الكهان،
الذين يتحدثون باسم هذا «الوثن». وخطوة بخطوة صار هذا الوثن ممثلا لقوة كونية
تتجاوز حدود القبيلة، ممثلا لله نفسه. لم يستطع البشر القدماء تصوُّر إله مجرد.
بل تخيلوا آلهة ورسموها، وصنعوها وعبدوها وأكلوها.
ولم يكن الخيال الكونى الحر الشىء الوحيد الذى عبثت به يد الوثنية.
فكما صار الإيمان الحر مؤسسة، اسمها الدين، صار كل شىء آخر مؤسسة.
الحب الجنسى المطلق صار زواجا. وصار منظما بطريقة معينة. ومحددا بعدد معين.
خارج هذا الإطار يصير منبوذا، جالبا للعار، بل ومعاقَبًا عليه.
كل هذا سبق «الأديان السماوية».
الأديان السماوية حاربت -بقدر إمكانها- إرث الوثنية فى علاقة البشر بالسماء.
رغم محاولات الأتباع التمرد على ذلك فى بدايات عهد كل دين. لكنها «طاوعت» البشر
فى ما سوى ذلك. فتركت لهم هياكل ورموزا تقوم بذلك الدور الشعورى. يبكون عندها،
ويستمدون منها القوة المعنوية. ويُقْسِمون عليها فيصدّق بعضهم بعضا.
والأهم فى سياق هذا المقال أنها أبقت على كل الأمور الاجتماعية الأخرى التى نشأت
قديما مع نشأة الوثنية. أحيانا على خلاف تعاليم أنبيائها. فصار لها كهنة، يتحكمون فى
متع البشر داخل بيوتهم. الأكل والشرب. الرغبة القديمة جدا فى الغياب عن الوعى.
وطبعا، الحب الجنسى، كونه إحدى أبسط المتع فى الحصول عليها، وأكثر جذبا.
تحكموا فى مؤسسة الزواج، ورفضوا تماما أى تنظيم لها خارج نطاق سلطتهم
(اخترعوا المأذون والزواج الكنسى مزايدة على أنبيائهم). كما تحكموا فى مظاهر
العلاقات الإنسانية بين الأهل، والعلاقات الإنسانية بين البشر، بتحديد الولاء والبراء،
والمصاهرة. وتحكموا فى خيال الإنسان الفنى، فى الموسيقى والرسم والنحت،
إنتاجا واستمتاعا. صار الخير له مقابل محسوب. والعفة لها وثن رقيق وكامن ومتحكم.
والتُّقى له سمة. والكُرْه مفروضا. والحب مشروطا. يا لضيق دنيانا!
أعود مرة أخرى لأقول إن الوثنية تضييق الخيال، حبسه، سجنه، تحديده فى إطار.
هذه رؤية فنية فى الموضوع. أرجو منكِ إن أردتِ مناقشتى فيها أن لا تحاولى إقناعى
بأن التنظيم مهم. لأنى مقتنع. وأنا لا أريد ولا أدعو إلى التخلص من التنظيم مرة واحدة
وللأبد، كما كنت فى شبابى الأناركى المبكر. إنما أريد أن ألفت النظر إلى أن التنظيم المجتمعى
جاء على حساب حرية البشر ومتعتهم (حتى الأديان تعلم هذا، وتعوّض المؤمنين بالجنة فى الآخرة)
. وأنه سلسال طويل بدأ منذ عهد الوثنية القديم ولم تحاول الأديان السماوية أن تقضى عليه.
كل شىء يا صديقتى له وجهان. هذا ما نتعلم مع الخبرة و-للأسف- السن.
وهذا بالنسبة إلىّ ما تعلمته من سائق تاكسى فى لندن قبل عشر سنوات،
كنت أحدّثه عن الدولة، ذلك التنظيم الاجتماعى الذى قيَّد حريتنا ومتعتنا، ويحدثنى
هو عن الدولة، ذلك التنظيم الاجتماعى الذى يحميه، ويُشْعِره بالأمان من المجهول،
إلى قدر ما. ويراكم المعرفة. استوب. المعرفة. فى رأيى المتواضع أن هذه المعرفة،
التى راكمها التنظيم، هى بذرة الضمير الأناركى الحر،
حين يستوى على عُوده، ويعود. الحياة دائرة.
كم بقى فىَّ من هذا الأناركى الحر، وكم اكتسبت من هؤلاء «الوثنيين»،
المنظمين، المقيدين، من حولى؟ أخشى أن سماع حُجج المحافظين والمحافظات
ليل نهار يوشك أن يقتل أى لمحة من الإبداع بقيت فىَّ. ويقتلنى.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]