جبهة الإنقاذ ومشكلة الثقل الشعبى المنقوص
أن تقاطعوا أو لا تقاطعوا.. ليست تلك هى المسألة 25/2/2013 خالد البرى جبهة الإنقاذ حاليا فى وضع لا تُحسد عليه.
إن شاركت فى الانتخابات اتُّهمت بالمشاركة فى مسرحية.
وإن قاطعت الانتخابات اتُّهمت بالسلبية.
المشكلة الحقيقية ليست فى قرار جبهة الإنقاذ،
المشكلة الحقيقية أن جبهة الإنقاذ لا تعترف بمشكلتها الحقيقية.
ومشكلتها الحقيقية أنها وضعت نفسها بنفسها فى هذا المأزق، كيف؟
جبهة الإنقاذ أناطت بنفسها دورًا أكبر من قدراتها، وأكبر من تمثيلها وتأثيرها فى الشارع.
والأهم أنه أكبر من قدرتها على المناورة. فهى جبهة معارضة رسمية، من أحزاب
قائمة وملتزمة بالقانون كما يجب على أى حزب سياسى. بينما السلطة منبثقة عن جماعة
لا وضع قانونيًّا لها، ولا يعرف أحدٌ مَن أعضاؤها ومَن أُجراؤها.
وبالتالى، كان طبيعيًّا أن تقيم حكمها على ضرب القانون، لكى تصير هى القانون نفسه.
ثم تبتز جبهة الإنقاذ باتهامها بانتهاك ذلك القانون.
أى أن جبهة الإنقاذ، بمؤيديها الذين يتضاءلون يومًا بعد يوم، صارت فى موقع الدفاع
على طول الخط. أمام الإخوان من جهة، وأمام أنصار الدولة المستقرة من جهة أخرى.
عندك حق تسألينى أنا عايز أقول إيه. وبالفّ وأدور علشان أوصل لإيه.
عايز أقول الواضح، اللى ماحدش فى الجبهة عايز يعترف بيه، واللى ماحدش من محبى الثورة
عايز يعترف بيه: الجبهة تحتاج إلى ثقل شعبى آخر، فاهم مفاتيح ومغاليق البلد،
عارف كالوناتها كالون كالون. والأهم أنه يمثِّل منافسًا شعبيًّا حقيقيًّا للإخوان،
مش منافس سياسى نخبوى فى المدن الكبرى. تحتاج إلى نزول هؤلاء إلى الساحة
لكى يشاركوا فى حمل العبء. ولكى يشاركوا فى اتخاذ القرار، وتحمل مسؤوليته،
بدلًا من اكتفائهم فى الوقت الحالى بزعزعة الثقة فى الإخوان وفى الجبهة.
طبعًا الطرف الوحيد الذى يملك قوة معنوية، ويملك تسيير «مواطنين شرفاء»، هو المؤسسة العسكرية.
لكن المؤسسة العسكرية ليست بوارد التدخل حاليا. لا الظروف الدولية تسمح لها،
ولا الظروف الداخلية استوت لدرجة تبرِّر لها التدخل «لفرض الشرعية».
بالعكس. واضح أن المواءمات والمساومات بينها وبين الإخوان لا تزال تعمل حتى الآن.
ولولا هذه المواءمات والمساومات لما سُمح للإخوان بتمرير الدستور
بعد حصار المحكمة الدستورية، التى يفترض أن تكون أعلى جهة سيادية فى البلد.
أعلى من وزارة الدفاع نفسها.
كما أن القوى الوطنية -كونها قوى مدنية- يجب أن تبحث عن حلول سياسية
لا تتكل فيها على تدخّل الجيش. لأن هذا عامل ليس بيدها، لا توقيتًا ولا عاقبة.
والحقيقة أنه حتى الذين هواهم تدخّل الجيش يجب أن يطمئنوا.
فالإخوان وحدهم يقومون بالواجب وزيادة، ويهيّئون الأجواء تمامًا لانفجار الوضع.
ما على المعارضة إلا تعظيم الضغط إلى حده الأقصى اعتمادًا على القوى الشعبية والمدنية.
هذا يعيدنا مرة أخرى إلى الثقل الشعبى المنقوص.
الثقل الشعبى المنقوص هو من كانوا يعملون مع النظام السابق وليس عليهم جرائم فساد.
والأهم من ذلك جمهورهم الذى لا يريد سوى الاستقرار، وأكل العيش، على أى جانب.
الجملة السابقة واضحة. أقولها بلا مواربة ولا تجميل. أولًا لأن الجبهة لن تستطيع،
وليس من مصلحتها، استثناء ثُلث البلد. ليست هذه معركتها. هذه معركة تصبّ فى صالح الإخوان،
وهذا الجمهور سيصب لو فشلت الجبهة فى اجتذابه فى صالح السلطة / الإخوان.
وثانيًا، لأن استثناء ثُلث البلد ليس جيدًا لمستقبل البلد. هذا عامل زعزعة استقرار،
موجه إلى الإخوان حاليا، لكنه ليس لصالح جبهة الإنقاذ. ومن الأفضل لجبهة الإنقاذ
-فى سعيها للسلطة- أن تقيم جسورًا للتعاون مع هذا الجمهور. دون التنسيق مع هؤلاء،
لن تنجح دعوة مقاطعة الانتخابات. فليس قرار المقاطعة / المشاركة فى حد ذاته
ما ينبغى أن نحكم عليه، إنما طريقة إدارته.
قرار المقاطعة قرار جيّد جدًّا لو نجحت الجبهة فى إدارته، وقرار المشاركة جيّد جدًّا لو نجحت الجبهة فى إدارته. كيفية نجاحها فى إدارة قرارها أيًّا ما كان هو ما أتحدّث عنه فى هذا المقال. إن لم تفعل جبهة الإنقاذ ذلك الآن، سيتحوّل هؤلاء السياسيون إلى حلفاء للإخوان،
أو إلى معارضة ديكورية برعاية الإخوان أنفسهم «كما كان دور الإخوان مع النظام السابق».
يجب أن لا يتحوّل القلق الذى كان مبررًا من عودة النظام القديم إلى فوبيا مرضية.
فى ظل التقسيم السياسى الحالى، فإن النظام القديم لن يعود مسيطرًا.
لكن من مصلحتنا أن يعود لاعبًا ضمن لاعبين، وضمن شروط جديدة
ستفرضها موازين القوى، لا اللعب غير المتكافئ.