شهرزاد Admin
عدد المساهمات : 5700 تاريخ التسجيل : 05/03/2013
| موضوع: حانة الأقدار.. عربدت فيها.. لياليها.. الثلاثاء مايو 28, 2013 6:24 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أستيقظ مفزوعاً.. افتح أعينى المغشلقة.. ألاحظ انكسار أشعة الشمس عبر شيش البلكونة مما يشى بأنى قد تأخرت.. أنظر إلى الساعة على المكتب.. أفرك أعينى.. أنفخ بزهق.. أهب من على السرير.. أبحث عن الشبشب بأقدامى.. أجد فردة.. أمد قدمى لأتحسس بها الأرضية تحت السرير بحثاً عن الفردة الأخرى.. لا أجدها.. أفقد أعصابى.. أشوط رجل السرير الخشبية بقدمى الحافية.. أكتم صرخة ألم وأنا أمسك برجلى.. أضرب الحائط بقبضتى بغيظ.. أكتفى بالصرخة التى كنت قد كتمتها وأقرر إطلاق العنان للصرخة الجديدة.. تلك الصرخة التى أنظر بعدها إلى قبضتى التى ترك الحائط أثره على جلدها.. أنظر إلى الحائط بغضب ليطالعنى بصمته وعدم تأثره وصلادته ! فى طريقى إلى الحمام يرن الموبايل.. ”إنت فين يا بنى.. ياللا بسرعة.. كده حنتأخر”.. فأرد.. ”حالاً”.. أغير وجهتى من الحمام إلى المطبخ.. أشعل البوتاجاز.. أملأ البراد وأضعه على النار.. حتى أستغل الوقت أفضل استغلال ممكن (على ما استحمى تكون المية غليت).. أقف تحت الدُش.. أدع الماء يتخلل مسامى.. أغمض أعينى.. أشعر بشلال الماء الذى أقف أسفله.. أحاول إراحة أعصابى وتهدئة توترى وإقناع نفسى بأن كله تمام.. وأحاول أن أنظر للأمور بشكل تفاؤلى أكثر.. ”الآن.. يبدأ اليوم.. وكل شيء قابل للتدارك.. وأى تأخير من الممكن تعويضه”.. عندما أشعر إنى استيقظت بالفعل.. أغلق شلال الماء المندفع من فتحات الدش.. أتناول الفوطة من على الشماعة.. أتذكر حلمى القديم فى أن أقوم بتجفيف دماغى وأنا أصفر.. وأتذكر أنه بالرغم من أنى قد خضت العديد من التجارب وعرفت العديد من الناس وأحببت الكثير من البنات ونمت على قهاوى وفى جوامع.. ولكن.. وبالرغم من كل هذا.. ماباعرفش أصفَّر ! أرتدى ملابسى.. يتناهى إلى مسامعى صوت صفير آت من المطبخ.. أتذكر أن الشاى على النار.. أنطلق من الغرفة إلى المطبخ.. أغلق البوتاجاز.. أمسك بغطاء البراد الذى منعنى التأخير من تذكر أنه ساخن.. ألقيه فى الحوض بسرعة وغضب وزهق وأنا أنطر أصابعى فى الهواء (الحركة بتاعة لما تمسكوا حاجة سخنة.. وتتلسوعوا).. الدخان يتصاعد من البراد المتآكل تحت وطأة نار البوتاجاز.. أطلق للحنفية العَنانَ.. فينطلق الماء منها فوق البراد.. بمصاحبة ذلك الصوت المألوف.. ”تششش” ! أتعامل مع تلك ”الَتِش” على أساس أنها علامة على إطفاء نار غضبى.. وعلى أن اليوم لا يزال فى متناول يدى.. وعلى أنه لا تزال هناك فرصة لتدارك ذلك التأخير غير المقصود والذى يضعنى وجهاً لوجه أمام ذلك التساؤل الأبدى الأزلى السرمدى الخالد.. ”ما مدى مسؤوليتى فى حالة أن المنبه يرن.. وأنا نايم وفى عالم تانى ومش سامع”؟! أتابع عقارب الساعة التى لا تكف عن الدوران.. فها هى مع كل دورة لها تزيد من تأخيرى على الموعد أكثر وأكثر.. أقرر بينى وبين نفسى أنه إذا شاءت لى الأقدار أن أقابل عفريت زى بتاع إسماعيل يس وسألنى.. ”تطلب إيه”.. سوف أطلب منه أن يصبح بمقدورى أن أوقف الزمن.. أعطله قليلاً.. حتى أستطيع اللحاق به ! يفيقنى من خيالاتى صوت رنين الموبايل.. أنظر إلى الشاشة بتردد.. أرد.. ”أيوه.. نازل حالاً”.. أغلق الخط وأنا أضع تفاصيلى فى جيوبى.. الموبايل والمحفظة والسجاير والولاعة والمناديل والمفاتيح.. أهبط السلم بسرعة.. أخرج من العمارة وأنا أشير لتاكسى بيدى.. ”رمسيس” ! أخترق زحام البشر.. ألمح صديقى مكفهر الوجه.. غاضب تماماً.. يشير بيده لسيارة ”بيجو” واضح أنها لسه متحركة يا دوبك من ثوانى.. ”شفت.. استنى بقى العربية اللى بعدها.. كده مش حنلحق العَزَا”.. فأرد.. ”ماتخافش.. بإذن الله حنلحق” ! كانت السيارة الأخرى التى كان عليها الدور فى تحميل الركاب تمرق بنا عبر الطريق.. وصديقى ينظر فى ساعته بقلق وهو يخبط بيده على ركبته.. وأنا أطمئنه.. ”ماتخافش.. بإذن الله حنلحق”.. لم أكد انتهى من جملتى حتى أبرقت بعينى وأنا أنظر إلى جانب الطريق.. كان هناك زحاماً بشرياً وفى وسط الزحام كانت السيارة البيجو اللى مالحقناش نركبها مقلوبة على جانبها.. وكانت أجساد راكبيها على الأرض حولها مغطاة بالجرائد.. كان الواقفون يضربون كفاً بكف وهم يطرقون بأنظارهم إلى الأرض ويقولون.. ”لا حول ولا قوة إلا بالله”.. وكنت ثابتاً فى مكانى.. صامتاً تماماً.. غير قادر على قول أى شيء.. أتابع دوران الساعة الذى لا يتوقف.. وأنظر إلى السماء.. بينما ينبعث صوت أم كلثوم من الراديو.. ”حانة الأقدار.. عربدت فيها.. لياليها.. ودار النور.. والهوى ساقي” ! خالد كســـــــاب | |
|