خالد البرى
كان وائل وأنا أفضل من يلعب الكرة فى شارعنا.
وكنا نتجنب مواجهة بعضنا لأن النتيجة ستكون بلا شك هزيمة أحدنا. ثم توصلنا إلى حل مريح،
قاعدة فرضناها على الشارع: وائل وخالد فى فريق واحد. وطبيعى أن فريقنا هذا كان يفوز دائما
على أى فريق من باقى أصدقائنا فى الشارع. وكنا نفرح بالفوز فرحة ملولة.
لكننا ننعم بالراحة من المنافسة والراحة من التفكير فى الخطر المحتمل من الهزيمة.
ذلك أحد الأمور الجوهرية فى الشخصية المصرية الحديثة. الخوف من الهزيمة. الخوف المَرَضِى من الهزيمة.
إليكم الخبر السيئ: الخائفون من الهزيمة لا ينتصرون أبدا -إلا على المنافسين المصنوعين لكى ينهزموا.
على المعارضة الديكورية، على الضعفاء، دولًا وأفرادًا وجماعات. نصرٌ نسبىٌّ، وهزيمة مطلقة.
فأما النصر النسبى فلأنهم انتصروا على منافسيهم.
وأما الهزيمة المطلقة فلأنهم فى واقع الحال لم يزدادوا مهارة ولا كفاءة، بل تراجعوا.
فكِّرى كم لاعبًا مصريًّا كان يمكن أن يكون لاعب كرة عالميا لو كان الدورى المصرى قويا،
وليس دورى أحادىّ القطب، فيه فريق يفوز حتى يمل. وكم طفلة مصرية كانت ستظهر
موهبة فريدة لو كانت المدارس توفر مجالا للمنافسة فى المواهب.
لو دقَّقتِ النظر يا صديقتى لوجدتِ أن كثيرا من طبائع الاستبداد التى نعانى منها فى الأوساط السياسية
منبعها الحقيقى هو هذا الخوف من الهزيمة، هذه الرغبة الجارفة فى ضمان الانتصار.
وما ذاك إلا الاستبداد بعينه. ارتباط فكرة الهزيمة بفكرة «الباطل» فى أذهان المجتمع
أنتج جمهورا سياسيا متعصبا، وجمهورا كرويا متعصبا، ولاعبين سياسيين متعصبين،
وأندية احتكارية (مستوى لعب ردىء بالنسبة إلى العالم)، وسلطات احتكارية، همها الأول نفى احتمال الهزيمة.
ثم أنتجت مطربين احتكاريين وممثلين احتكاريين وكتابًا احتكاريين (فنًّا رديئا)،
ومديرين احتكاريين، وسائقى ميكروباص احتكاريين.
هل هذا شىء مهم؟
هذا شىء خطير لأنه يقتل الأمل، ويغلق منافذ الطاقات، ويقتل الشوق إلى الحياة، كما يقتل الفيلم الممل
التشويق لإكماله. إنما خطورته الأكبر فى أنه يهزم الجميع هزيمة مطلقة.
أنه يُعمى عيوننا عن تراجع مستوى الجميع بغلاف من الانتصارات الكاذبة.
وهذا ما حدث فى ٢٥ يناير ٢٠١١. لقد أفقنا على الوهم لنكتشف أننا جميعا مهزومون.
المستبدون بالسلطة أضعف كثيرا مما كنا نتخيل، ومخترَقون أكثر مما كنا نتخيل،
وفاشلون كما كنا نتخيل. والفريق الذى «غلب» هو الآخر أكثر فشلا حتى مما كنا نتخيل،
وأكثر استبدادا فى السلطة ممن هزمهم. ثم الكارثة.. أننا اكتشفنا أننا لا نزال نخاف المنافسة الشريفة
المتكافئة خوفَنا الطفولى نفسه. لم نتقدم خطوة. نريد دائما أن نضمن الفوز، والفوز الأبدى.
هذا هو الفرق الساطع بين حب الفوز والرغبة فى هزيمة الآخرين.
الأول انتصار يستلزم تحسينا لنفسك، والثانى يستلزم قمعا لمن حولك.
سنخوض اختبارا مجتمعيا آخر قريبا. أرجو أن نتعلم مما سبق.