08.22.2013
عمر طاهر
تجاوزت المسائل فكرة الإفراج عن مبارك أو حبسه، ولم يعد فارقًا القبض على حجازى أو المرشد،
الفرق الوحيد فى أن تتابع عدالة ما وهى تأخذ مجراها، تلزم الطريق أو تحيد عنه، حتى ده مابقاش فارق.
عندما أطلق المعزول صيحته التاريخية الشهيرة «خليهم يتسلوا» كان حكيمًا بالفعل،
فالتسالى خلال العامين ونصف العام الماضية على قفا من لديه القدرة على التحمل، تسالى بمتابعة المتحولين
بمن فيهم المتحولون إلى الأفضل بالمناسبة، مثل شباب كان محصورًا فى دائرة اهتمامات سطحية
وأصبح الآن يمتلك وعيًا مفتوحًا على العالم، أجبرته الأحداث على التفتيش فى التاريخ وعلم النفس والفن
والأدب ليكتشف نفسه من جديد، وليعرف أين يجب أن يقف، نماذج كثيرة يراها الواحد من حوله ويفخر بتحولهم
من التعليق على مستوى أحدث الألبومات إلى المبادرة بتقديم أفكار يسعى الجميع للتعليق عليها،
تسالى بمتابعة إلى أى مدى يستطيع الإنسان أن يكون (كائن بجح) موغل فى الحقارة الإنسانية متشبث لأبعد مدى
بمواهب الشماتة والمعايرة والتضليل والتشهير، وفى الوقت نفسه الاستمتاع بمتابعة أشخاص
كانت نقطة التحول الدرامى فى حياتهم هى امتلاك الجرأة على الاعتراف بالأخطاء ومراجعة النفس والانحياز
للأفكار العظيمة حتى لو كان ثمن هذا أن يتم نبذه سياسيًّا أو وطنيًّا، تسالى بمتابعة أشخاص هتكوا عرض المهنية
وآخرين شالوها فوق رؤوسهم، تسالى بأن يكتشف الواحد كم كان مفرطًا فى الحماقة فى مواضع كثيرة،
حماقة تحت بند حسن النيّات، حماقة تحت بند قلة الخبرة، حماقة تحت بند الحماس الزائد والانفعال المبالغ فيه،
حماقة تحت بند وهم أنك تمتلك الإجابة النهائية عن كل سؤال، حماقة التقييم العاطفى للأشخاص والأمور،
تسالى بالحسرة عند اكتشاف أهمية مَن رحلوا فجأة قبل أن تخبرهم كم كان وجودهم راقيًا ويحفظ توازن البشرية،
الحقيقة اتسلّينا جامد فى الفترة الماضية، ومع كل كارثة أو تحول غير مريح كان الواحد يعتقد أنها نهاية العالم
أو نهاية وطن أو حتى نهايته هو شخصيًّا، ثم تأخذه التسالى من جديد لأن المفاجآت لا تنتهى والأحداث
تحول طول الوقت بين الكلام وبين وضع نقطة فى نهاية السطر.
يعود مبارك، يرحل مرسى، المرشد يلبس نقاب، كل هذه الأحداث أصبحت هامشية فى حياتنا،
تغيّرت الدنيا تمامًا فى خلال الفترة الماضية، وما استقر فى روح المجتمع أعمق كثيرًا من بشر سيرحلون فى كل الأحوال،
ولا الإفراج عن مبارك سيعيد نظامه أو ما يشبهه إلى الحكم بعد أن أصبح الماضى لا يثير شهية
مَن اكتشفوا الحياة من جديد وما زالوا يكتشفونها، ولا القبض على قيادات الإخوان سيكتب للجماعة
عمرًا سياسيًّا جديدًا، لأنهم كانوا أيضًا ماضيًا ولكن بتوزيع جديد رخيص. إن كانت ثمة فائدة من النظر إلى الماضى
فهى أن يتعلم الواحد من أخطاء الآخرين، هذا إذا كانت لديه أصلًا موهبة أن يتعلم من أخطائه هو شخصيًّا.